"نوي آوبينغ" أول فريق من اللاجئين ينافس في بافاريا
٨ سبتمبر ٢٠١٥كان لدى الصحفي الألماني أولاف بوتربورد (45 عاما) حلم منذ سنوات بأن يلعب كرة القدم مع الأطفال، ليس في بلده ميونيخ وإنما في مكان آخر من العالم، في أفريقيا مثلا. وقبل أربعة أعوام قضى بوتربورد عشرة أسابيع في "موشي" عند سفح جبل "كليمنجارو" في تنزانيا. وتحقق حلمه بجمع الأطفال حوله وأخذ يدربهم على لعب كرة القدم ونظم لهم مباريات، حسب ما ذكر على موقعه الشخصي في الإنترنت.
وبعد عودته إلى ألمانيا شرع قبل ثلاثة أعوام ونصف العام في لعب كرة القدم مع لاجئين موجودين في ميونيخ. في البداية كانوا يلعبون في ساحة صغيرة داخل "الحديقة الإنجليزية" الشهيرة، أما الآن فيلعبون في ملعب نادي "نوي آوبينغ" (بالألمانية: ESV Neuaubing) في عاصمة ولاية بافاريا.
هادي وعمار وسارباسط وجليل لاجئون فروا من بلادهم بسبب الحروب والنزاعات، ووصلوا إلى ألمانيا قادمين من أفغانستان والعراق وإيران أو اريتريا. وهؤلاء ولاجئون آخرون من تونس وغيرها من البلدان إضافة إلى ثلاثة ناشئين ألمان يشكلون فريق كرة القدم بنادي "نوي آوبينغ"، الذي يتكون من عشرين لاعبا، ويدربه أولاف بوتربورد.
يقوم المدرب بعمل التمارين أمام اللاعبين أولا ويشرحها لهم ببطء باللغة الألمانية. وعندما لا يفهم أحد اللاعبين ما يقصده المدرب يقوم زميل له في الفريق بالترجمة. ويقول بوتربورد: "إن عملية الاندماج لا تتم بدون اللغة الألمانية. ثم إن هؤلاء لاعبون يمكن أن يأخذهم شباب آخرون قدوة، حتى من ناحية اللغة".
الكرة والماضي الأليم
يتدربون مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وفي نهايته يخوضون مباراة في دوري الهواة في بافاريا. وخلال التدريبات تسمع ضحكات بصوت مرتفع وترى الحركات المضحكة للاعبين اللاجئين. فسارباسط مثلا يدفع زميله محاولا الإخلال بتوازنه، أما هادي، الموهوب، فيتابع الكرة بنظرة وكأنه أصيب بالحول، فيضحك الجميع. ويقول هادي "عندما أكون في سكني أتذكر الأشياء القديمة، وهذه مسألة لا تعجبني أما كرة القدم فتمنحنا المتعة".
الأشياء القديمة بالنسبة لهادي ذكريات مؤلمة. فقد ولد في إيران لأبوين من أفغانستان، فرا من الحرب ولم يحصلا على أوراق إقامة في إيران. ورغم أنه لم يشاهد مناظر القتل والدمار في بلد والديه؛ إلا أنه واجه في إيران مواقف صعبة، حيث جرى اعتقاله مرارا وضربه ومضايقته لدرجة أنه فكر في الانتحار، حسب ما يقول. ثم قرر مع والده السفر إلى أوروبا. ودفع لمهربين خمسة آلاف يورو، فدخل تركيا ومنها إلى اليونان ثم أكمل رحلته حتى وصل إلى ميونيخ وحده، قبل عام ونصف العام. وبعد وصوله تقابل مع أولاف بوتربورد وفريق اللاجئين.
ويقول بوتربورد، إنه ورغم أن الملعب مخصص أساسا للعب الكرة إلا أن اللاعبين يتذكرون أيضا فوق العشب التفجيرات في أفغانستان مثلا أو مقتل ذويهم على يد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويحاول بوتربورد مساعدتهم في التغلب على ذلك، كما يساعدهم أيضا في مواعيدهم لدى السلطات ويذهب معهم للمعارض والمتاحف أو حتى لمشاهدة مباريات بايرن ميونيخ في ملعب أليانز أرينا.
الاستفادة متبادلة ومخاطر الترحيل
لكن الاستفادة ليست فقط بالنسبة للاجئين، فقد كانوا لنادي "نوي آوبينغ" بمثابة المنقذ؛ لأن فريق كرة القدم بالنادي كان يعاني من نقص شديد في وجود براعم جديدة، مثلما يعاني الاقتصاد الألماني من نقص في عدد المتدربين الجدد. وقد حل "نوي آوبينغ" مشكلته بطريقة عملية، بفتحه الأبواب أمام هؤلاء المهاجرين. ويقول بوتربورد: "أشبالي يظهرون هنا بشكل رائع، كما أنهم لطفاء ومهذبون". ولذلك، فقد سألت فرق أخرى بالنادي مثل فريق رفع الأثقال وفريق التنس، عما إذا كان فريق الكرة لا يريد التدريب معها.
ويقول هادي إنه في اليوم الأول لانضمامه إلى الفريق لم يكن يعرف من اللغة الألمانية سوى كلمات قليلة. أما الآن فيعرف الكثير والتحق بالمدرسة، وفي الإجازة يتدرب في مجال "تجارة التجزئة". وبالنسبة للفريق، فالأمور تسير جيدة أيضا حتى الآن (أوائل سبتمبر/ أيلول 2015)، فقد فاز بأول مباراتين له في دوري الهواة في بافاريا. وتألق هادي وسجل أهدافا عديدة وكان صاحب أول هدف للفريق في الدوري.
رغم ذلك، فإن الأمور صعبة لبعض أعضاء الفريق. صحيح أن معظم اللاعبين لديهم "حق الإقامة"، لكن، هناك لاعب صدر أمر بترحيله قريبا من ألمانيا. وهناك لاعب آخر اقتادته الشرطة الألمانية وأدخلته الطائرة ليعود من حيث جاء، فقام بقطع شريانه الأورطي. بل حتى هادي نفسه وضعه ليس مُؤَمَّناً. مع ذلك فممارسة الرياضة في فريق تساعد هؤلاء اللاجئين على التعامل مع مشاكل كهذه.