أفغانستان.. ثمن الزواج عن حب قد تدفعه المرأة لجوءً
٧ ديسمبر ٢٠١٩عندما أقر البرلمان الأفغاني قانون القضاء على العنف ضد المرأة، احتفل نشطاء حقوق الإنسان، فلم يعد بالإمكان الفرار من ارتكاب الجرائم ضد النساء مثل الاغتصاب أو الاعتداءات بإلقاء الحمض الحارق أو الزواج القسري. لكن سرعان ما تلاشت تلك الأوهام، وبعد مرور عشر سنوات فإن تزويج الطفلة، أو إجبار المرأة أو الفتاة على الزواج لتسوية ديون عائلية أو تهديدها بـ "القتل بدافع الشرف"، رغم كون كل هذه الأمور غير شرعية، إلا أنها أمور لا تزال تحدث للنساء الأفغانيات كل يوم.
في قوانين الأمم المتحدة، يطلق على الزواج القسري والزواج تحت السن القانونية تعريف "الممارسات التقليدية الضارة". هذه الممارسات تخالف القانون الدولي، وكذلك القانون الأفغاني، وهي من بين الأسباب الموجبة لمنح حق اللجوء.
ومع ذلك، ففي أوروبا، فإن طلب اللجوء نتيجة للتهديد أو المرور بتجربة الزواج القسري ليس بالأمر السهل. في بعض الحالات، تفتقر السلطات إلى المعلومات بشأن انتهاكات حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، أو لم تكن على استعداد لقبول فكرة إمكانية تعرض المرأة لسوء المعاملة أو الزواج القسري إذا ما تمت إعادتها إلى بلادها.
يقول عبد الوهاب وحيد، المحامي المقيم في دارمشتات بألمانيا، إن الأمر يتعلق غالباً بمدى تأهيل وسلطة متخذ القرار في هذا الشأن. "في بعض الأحيان، هناك حالات سيقولون فيها للمرأة، "أنا لا أصدقك، لا يمكن أن تكون الأمور بهذا السوء".
غول مينا
في عام 2017، عرف العالم قصة غول مينا، وهي امرأة شابة من البشتون نجت بصعوبة من عملية "القتل بدافع الشرف" الوحشية. شاهدنا صوراً لها على شبكة سي إن إن، يظهر فيها وجهها مشوهاً بفعل ضربات فأس من قبل شقيقها. تزوجت غول مينا في باكستان عن عمر يناهز 13 عاماً، لتصبح الزوجة الثالثة لرجل يضربها يومياً. عندما أخبرت أسرتها بما كان يحدث، قاموا بضربها أيضاَ.
بعد خمس سنوات من سوء المعاملة، التقت بشاب أفغاني وهربت إلى جلال آباد عبر الحدود. بعد أيام، تعقبها شقيقها وكسر رأسها وجسدها بفأس، بعد أن قتل صديقتها. أمضت غول مينا شهرين في المستشفى قبل أن تنقل إلى ملجأ للنساء في كابول. كانت عائلتها قد تبرأت منها. بعد خمس سنوات، وهي في سن 18 عاماً، جمعت ممتلكاتها القليلة وسافرت إلى السويد لبدء حياة جديدة كلاجئة تحت رعاية الأمم المتحدة.
روح الله
كانت غول مينا قادرة على تسجيل نفسها للحصول على حماية الأمم المتحدة في باكستان. لكن معظم النساء في أفغانستان ليس لديهن طريقة لتقديم طلب للجوء، ولا يوجد لديهن مخرج. تمكن عدد قليل نسبياً منهن من الفرار وخضن رحلة الهروب الخطرة إلى أوروبا لطلب الحماية. واحدة منهن كانت روح الله. وصلت الفتاة إلى الدنمارك في عام 2015 بعد أن تمكنت من الهروب من تهديد بالزواج القسري في أفغانستان.
بعد مقتل زوجها، أُجبرت روح الله على العمل كخادمة لعمه (الذي تعتقد أنه قاتل زوجها). اغتصبها العم وكان شديد العنف تجاهها. عندما توفيت زوجة هذا العم، أراد أن يتزوج من روح الله، وهدد بنشر شائعات عنها بأنها كانت على علاقة مع رجل آخر إذا ما رفضت الزواج منه.
في الدنمارك ، شرحت روح الله، البالغة من العمر 25 عاماً، هذا الأمر لسلطات الهجرة وتقدمت بطلب للجوء، لكن تم رفضه. لم تتم الموافقة على الطلب حتى أوائل عام 2017 عندما قضت محكمة الاستئناف الدانمركية بالموافقة على طلب اللجوء والإقرار بأن روح الله كانت عرضة لخطر الزواج القسري وإساءة المعاملة إذا ما أعيدت إلى أفغانستان، وأنه لا يمكن أن تحميها الدولة الأفغانية. وقد حصلت أخيراً على صفة اللاجئ.
'ليما'
واجهت امرأة شابة أفغانية أخرى من مقاطعة ريفية صراعاً مماثلًا لإثبات أنه ينبغي أن تُمنح وضع اللاجئ في أوروبا. ارتكبت "ليما" (اسم مفترض) "خطأ" الزواج من الرجل الذي تريده بدلاً من انتظار أن تزوجها العائلة من شخص اختارته لها.
بعد ذلك، "ساءت الأمور للغاية بسرعة كبيرة"، وفق ما جاء في تقرير من "آسيلوزAsylos"، وهي مؤسسة خيرية صغيرة ساعدت المحامين على إثبات قضية ليما وطلبها للجوء.
تمكنت ليما والشاب الذي أحبته من دفع المال لــ "الملا" - وهو رجل دين محلي - ليتزوجا سراً. لكن أسرتها اكتشفت الأمر وبدأت في تهديدها بالعنف، ما أجبرها على الفرار من البلاد.
عندما كان شقيق ليما الأكبر يعيش في هولندا، ذهبت للانضمام إليه هناك، على أمل الحصول على الحماية. ولكن عندما علم بزواجها، هددها أخوها بإعادتها إلى أسرتها في أفغانستان. هربت ليما إلى بلجيكا محاولة باستماتة إيجاد مكان آمن. لكن بموجب قواعد دبلن، لم يكن من حق ليما طلب اللجوء في بلجيكا، لأنها كانت قد وصلت إلى هولندا لأول مرة لذلك تم رفض طلبها مباشرة.
مثل روح الله، تمكنت ليما من استئناف القرار بمساعدة محامٍ قدم لها الدعم القانوني. وكما اتضح فيما بعد، فإن السلطات البلجيكية التي أجرت المقابلة معها لم تكن تعرف الكثير عن المخاطر التي تواجه النساء الأفغانيات اللائي يعارضن السلطة الأسرية. لم يعرفوا أن خوف ليما من العودة إلى أسرتها كان له ما يبرره وقائم على أسس واقعية. لم يفهموا أنه في أفغانستان، يمكن أن يواجه من يتزوجون من أجل الحب وصمة عار كبيرة من قبل الأسرة والمجتمع، بل يمكن أن يواجهوا حتى اتهامات جنائية، أو يتم دفعهم إلى الفقر أو يصبحون ضحايا لجرائم الشرف.
تمكن المحامون أخيراً من إقناع السلطات البلجيكية بأنه في حالة إعادتها إلى أفغانستان، فإن ليما ستواجه العنف وسوء المعاملة وربما الموت على أيدي أسرتها. حصلت ليما أخيراً على وضع اللاجئ.