أطفال الشوارع في المغرب.. ملامح بريئة غيرتها قسوة الحياة
١ يوليو ٢٠١٢التقيت حمزة (اسم مستعار) وأنا أهم بركوب الترام الذي يخترق العاصمة الرباط إلى سلا المجاورة لها، المنظر المتناقض كان مكتملاً، ترام حديث أضفى على المدينة طابعاً عصرياً متطوراً وإلى جانبه يقف طفل صغير لم يكمل عقده الأول بعد، يستجدي عطف الناس ليغدقوا عليه ببضعة دراهم. ما يلفت النظر في شكله هو جروح غائرة على رأسه الصغير، قال بعد إلحاح مني في السؤال إن أمه من تسببت فيها دون أن يفصح عن السبب. حمزة لا يذهب إلى المدرسة ويقضي يومه في التسول أو بيع المناديل الورقية. "عمل" يعرضه للكثير من المضايقات قد تصل إلى الضرب والمطاردات كما يقول.
نظراته كانت مشتتة وتفكيره كذلك، يؤكد معلومات ثم يعود لينفيها. بعد إجابته على بضعة أسئلة، سألني بنبرة الأطفال البريئة إن كنت قد ترعرعت في الخيرية، أجبت بالنفي قبل أن يسألني مجدداً "هل أنت من الشرطة؟" فضحكت لأني لم أفهم العلاقة بين السؤالين لأخبره أني صحفية، وهي كلمة يسمعها لأول مرة في حياته.
طفولة منسية
في جنبات الشوارع المنسية، تحت العربات أو السيارات المركونة، داخل البيوت المهجورة، تتحول طفولة كثيرين إلى شقاء مبكر، وتختلف ظروفهم لكنهم يتقاسمون المعاناة نفسها. بعضهم يمتهن التسول وبعضهم الآخر يقبل بأي عمل يحصل من خلاله على قوت يومي قد لا يكون مضموناً.
توفيق (اسم مستعار) طفل آخر حملته ظروف حياته أعباء أكبر من سنه وقدراته، يعمل في محل لبيع المواد الغذائية ومهمته الأساسية المساعدة في كل شيء بما في ذلك حمل أكياس الدقيق التي تكاد تفوق حجم جسمه الهزيل. يروي لـ DW قصته المريرة التي بدأت عندما قرر الهرب من البيت بسبب المعاملة القاسية التي كان يلقاها من أقاربه بعد وفاة أمه وزواج والده من امرأة أخرى. ورغم معاناته اليوم فهو لم يندم على ما أقدم عليه، ويقول: "هربت من عذاب لا يحتمل، صحيح أني أتعذب في الشارع والعمل أيضا لكن على الأقل لي حريتي وأنفق على نفسي".
توفيق وحمزة نموذجان لأطفال وجدوا أنفسهم في الشارع سواء لأنهم قرروا الهرب من بيوت ذويهم لأسباب متباينة، أو ولدوا في الشارع، أو ضاعوا عن أهلهم. وفي الشارع حيث يسود قانون الغاب، يتحول هؤلاء إلى فرائس سهلة المنال، بعضهم يتعرض للاغتصاب أو الاختطاف وبعضهم يتم استغلاله في التسول، ويبقى الشارع بيئة خصبة لبعضهم ليتحولوا فيما بعد إلى مجرمين أو يلتحقوا بقوارب الهجرة السرية.
جمعيات المجتمع المدني في المغرب أثارت الموضوع لأكثر من مرة مشيرة إلى مخاطر هذه الظاهرة المعقدة في المغرب، و التي يستدعي الحد منها حلاً يراعي مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. بسيمة حقاوي وزيرة الأسرة والمرأة والتضامن الاجتماعي كانت قد أطلقت مبادرة تهدف إلى الحد من ظاهرة "أطفال الشوارع" في المغرب، من خلال التأطير على مستوى الأسر وخلق مؤسسات حكومية خاصة بالأطفال والفتيات اللواتي تخلت عنهن أسرهن.
أرقام كبيرة
تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الأطفال المشردين والذين يطلق عليهم أيضاً في المغرب "الأطفال المتخلى عنهم" يقدر بنحو 400 ألف طفل، ويزيد من تعقيد مشكلتهم غياب المؤسسات القادرة على إنقاذهم من مخاطر الشارع وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً. وحسب دراسات ميدانية مغربية فإن التسول يأتي في مقدمة الأعمال التي يزاولها أطفال الشوارع ثم يأتي مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية وغسل السيارات ثم السرقة.
لكن تقريراً رسمياً أشار مؤخراً إلى تراجع نسبة ظاهرة تشغيل الأطفال، وفيه ورد أن نسبة الأطفال الذين يعملون والبالغين من العمر ما بين 7 و15 عاماً بلغ العام الماضي 123 ألف طفل، أي 2.5 في المائة من الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة.
وتأتي قضية الأمهات العازبات في مقدمة العوامل المساهمة في تفشي ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب، وتدعو المنظمات الحقوقية إلى إدماجهن في أي حل يهدف إلى الحد من هذه الظاهرة.عائشة الشنا التي تعتبر أكبر مدافعة عن حقوق الأمهات العازبات في المغرب ورئيسة جمعية التضامن النسوي، تقول خلال لقائها مع DW: "يجب ألا نضحك على أنفسنا، لندعم طفل الشارع يجب أن نساعد أمه أولاً. إذا كان وضعها سيئاً أصلاً فستترك وليدها في الشارع عرضة للتشرد". وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن بعض الأرقام تفيد بأن هناك 24 طفلاً يتم التخلي عنهم من أصل 100 طفل يولدون يومياً. وتعزو أسباب ذلك إلى الفقر والتفكك الاجتماعي.
المطلقات أم الأمهات العازبات أولى؟
وتضيف الشنا أن هناك حديثاً الآن عن دعم الأمهات المطلقات والأرامل فقط وليس كل الأمهات في وضعية صعبة. وتعلق على ذلك قائلة: "يجب مساعدة كل الأمهات ففي النهاية لا ذنب لطفل ولد لام عازبة، هو وأمه يظلمهما القانون والمجتمع ويعيشان وضعاً أكثر تعقيداً". في عام 2009 ولد قرابة 28 ألف طفل خارج إطار الزواج حسب الشنا، التي تقول إن الكثير من الأمهات العازبات يرفضن إجهاض أجنتهن حتى من تعرضن منهن للاغتصاب. وهذا يدخل ضمن ما يساهم في تزايد الظاهرة. كما أن القانون المغربي لا يبيح الإجهاض لغير المتزوجة أو التي تعرضت للاغتصاب أو حتى من تعاني من إعاقة.
من جهتها تقول سعاد التوفي الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل في حديث لـDW: "أخطر شيء هو أن يفضل الطفل الشارع على البيت لأسباب منها العنف أو غياب الإحساس بالوجود أو الشعور بالحماية". وتضيف التوفي أن الأخطر هو أن الظاهرة لم تعد تقتصر على الذكور فقط، بل والإناث أيضاً، وهذا ما يعني أن هناك أطفالاً سيولدون في الشارع مستقبلاً".
وتضيف الناشطة المغربية بالقول: "ما دمنا في مجتمع فيه فوضى حكومية حيث لكل وزارة إستراتيجيتها، فحل هذه المشكلة سيكون أصعب بكثير مما نتوقع". وتعتقد التوفي أنه ينبغي على مختلف الوزارات المتدخلة في هذا المجال وهي الأسرة والتعليم والتشغيل والصحة أن توحد إستراتيجية معينة تحارب من خلالها الظاهرة بواسطة حلول جذرية. وتشير التوفي أيضاً إلى مشكلة السن، إذ يجب عدم التخلي عن هؤلاء بمجرد أن يبلغوا سن الثامنة عشر: "طفل اليوم هو رجل الغد، ويجب مرافقته إلى أن يقف على قدميه وليس التخلي عنه عند بلوغه الثامنة عشر".
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: عماد غانم