أطباء سوريون في ألمانيا يسعون لتوحيد جهود الإغاثة لبلدهم المنكوب
٢٩ نوفمبر ٢٠١٢أدهم شاب سوري، خرج من سوريا قبل حوالي ثلاثة أشهر ليصل في نهاية المطاف إلى ألمانيا. الطالب في كلية الطب، والذي لم يبق عليه سوى عام واحد لإنهاء دراسته، ترك الكلية واتجه ليسعف الجرحى في دمشق وريفها، مع وصول موجة المظاهرات الاحتجاجية إلى هناك. وتطوع العديد من طلاب كليات الطب إلى جانب الأطباء لإسعاف ما يمكن إسعافه من الجرحى. ذو الأربعة وعشرين عاما، المعتقل السابق لدى قوات الأمن السورية، تحدث لـDWعربية عن الصعوبات والأخطار التي تواجه العمل الطبي في سوريا، فقال: "هناك ملاحقة شديدة للأطباء في سوريا، وخاصة المختصين منهم ... والعمل يتم حاليا في مشافٍ ميدانية سرية".
وإلى أحد هذه المشافي الميدانية توجه الطبيب عدي حاوي، الذي يقيم في ألمانيا منذ عام 2001. عدي، الذي درس الطب في جامعة كاسل الألمانية، ويتخصص الآن بالجراحة العامة هناك، لم يذهب إلى سوريا إلا لشعوره بما يشبه التقاعس عن مساعدة المحتاجين. فقبل حوالي شهرين من الآن أخبره شاب سوري بأن هناك حاجة ماسة للأطباء في سوريا، وأن هناك أطباء متبرعين قادمين من دول عربية وأجنبية عدة، فكيف بهم، وهم السوريون، لا يساعدون أبناء جلدتهم في أخطر مرحلة تمر بها بلادهم. فما كان من عدي وزميل له، إلا أن توجها إلى أحد المشافي على الحدود السورية التركية. أمضيا أسبوعا هناك، عايشا فيه الوضع "الصعب" للعمل الإغاثي الطبي.
أدهم وعدي وأطباء كثر آخرون اجتمعوا في مؤتمر إغاثي، دعا إليه أطباء سوريون في مدينة فرانكفورت. DWعربية حضرت المؤتمر وتابعت مناقشات وأفكارا طُرحت، لما يمكن أن تساهم فيه الجالية السورية في ألمانيا في مجال الدعم الطبي والإغاثي في سوريا.
كيف تعمل منظمات الإغاثة؟
الطبيبان علاء خطيب وسامر السمير كانا من بين الداعين للمؤتمر، طبيبان شابان في مستهل مسيرتهما المهنية. في الافتتاح تحدث علاء عن أسباب الدعوة لهذا المؤتمر، والتي لخصها في أن هناك الكثير من الجمعيات والمنظمات التي تنشط في ألمانيا وتجمع التبرعات وترسل المساعدات إلى الداخل السوري، بما فيها المساعدات الطبية، فجاءت الفكرة لتنسيق الجهود ولكي تستفيد كل منظمة من تجارب الآخرين ولتتعرف على الصعوبات التي واجهتهم حتى يتم تجاوزها. وتحدث المنظمون عما شهدته الآونة الأخيرة من تبديد للجهود الفردية، وتكرار لبعض التجارب غير المجدية وذلك لنقص التبادل في الخبرات.
وبالفعل لبّت الدعوة منظمات عديدة، مثل اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية، والجمعية الألمانية لدعم الحريات وحقوق الإنسان، والمنتدى السوري الألماني للحرية في سوريا، وجمعية السلام، وجمعية لين الإغاثية. وكنموذج لعمل هذه الجمعيات، تحدث رئيس جمعية لين، محمد الزعبي، لـDWعربية عن نشاط جمعيته في كل المحافظات السورية، بحسب الضرورة. وعن المجال الطبي قال طالب الطب في جامعة برلين: "هناك أخطار كبيرة على الأطباء، فريقنا يقوم باستقبالهم في تركيا، ومن ثم يؤمن دخولهم إلى حلب مثلا أو إحدى بلدات إدلب أو غيرها من المناطق المحتاجة للأطباء ... كما نرسل الأجهزة الطبية والأدوية". ويأتي إلى جمعية لين وغيرها من المنظمات العديد من الأطباء، ولكن محمد يقول: "عندما يأتي إلينا طبيب متطوع غير سوري، نحاول أن نثنيه عن الدخول إلى سوريا لخطورة الوضع. أما الطبيب السوري فنشجعه ونقول له، لا ضمان لدينا لسلامتك، ولتعلم بأن دمنا ليس أغلى من دماء السوريين هناك".
سألنا محمد الزعبي، لماذا لا تطلبون دعما سياسيا، بما تتجاوزون بعض مشاكلكم، فكان رده: "لا للسياسة! أفضل شيء في العمل الإغاثي أن تبقى بعيدا عن السياسة".
ظروف "غير معقولة" للعمل الطبي
أحد المشاركين، شبّه الوضع في سوريا بأنه أشبه ببرميل مفتوح القعر ويحتاج للكثير من الدعم المالي لعظم الاحتياجات واتساع مساحة "المناطق المنكوبة". تحدث في المؤتمر طبيبان مستقلان، هما أحمد وضياء، ذهبا بشكل فردي إلى منطقة غابات الفرللق وجبال الأكراد في ريف اللاذقية. تحدثا عن الصعوبات الكبيرة، فإلى جانب الخطر الأمني على الطبيب من قصف للمشافي الميدانية، هناك صعوبات أخرى، فوصفا كيف يتم إجراء الإسعافات مع انقطاع دائم للكهرباء. وهناك مولد كهربائي يعمل على الوقود، ولكن لعدم توفر الوقود وارتفاع ثمنه، لا يتم تشغيل المولد إلا عند إجراء عملية خطيرة. بل أحيانا يتم إجراء العملية على ضوء مصباح صغير ببطاريات (بيل). العمل مع انقطاع الكهرباء أكده أيضا عدي حاوي الذي عمل في منطقة في ريف ادلب، على الحدود السورية التركية.
ضياء بشير تحدث لـDWعربية عن أن الإصابة قد تكون أحيانا خفيفة، كسر بسيط مثلا، "ولكن لوعورة الطرقات يتفاقم الوضع أثناء نقل المصاب إلينا وتتحول الإصابة إلى كسر خطير". وحدثنا ضياء أيضا عن كيف أنه لا يوجد مكان لنوم الأطباء، فيضطرون للنوم جميعا في غرفة واحدة. أما الطعام فيتبرع به أهل المنطقة التي يقيمون فيها، مع عودة الجميع إلى "العصور الوسطى" في تحضير الطعام.
وتحدث بعض المشاركين عن سيارات إسعاف، أرسلها مغتربون سوريون كثر، سواء من ألمانيا أو من غيرها، أرسلوا السيارات لتعمل هناك وتساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولكن طالها القصف الذي يستهدف حتى سيارات الإسعاف. وهذا ما أكده لنا الطبيب عدي حاوي، من تعرض مركز طبي مجاور للمكان الذي عمل فيه للقصف وكان به 7 سيارات إسعاف جرى تدميرها.
عدي أطلعنا أيضا على واقع العمل داخل المركز الطبي، وعن النقص الحاد في الأطباء. هذا النقص جعل أطباء الداخلية مثلا، عاجزين عن تشخيص بعض حالات الكسور والتمزقات، وكان الأطباء عموما يبذلون فوق طاقتهم، بل إن "أحد الأطباء، كانت إحدى يديه مكسورة، فكان يعمل بيد واحدة فقط".
العلاج النفسي "مُهمَل"
الجروح والإصابات لا تقتصر على من قُطعت يده أو تمزقت أحشاؤه أو احترق جلده. هناك إصابات نفسية، يصفها البعض بأنها أشد خطورة من الجسدية. فمن تتهشم قدمه فيضطر الأطباء لبترها لاستحالة معالجتها، سيصبح معاقا، فأي وضع نفسي سيكون عليه. ومن تعرضت لاغتصاب أو عنف جسدي، فكيف ستواصل حياتها وتعيش بشكل طبيعي؟ والحديث عن هذا الأمر لم يصدر عن السوريين فقط، بل من المنظمات الدولية أيضا، ففي 15 يونيو/ حزيران 2012 تحدثت منظمة هيومان رايتس ووتش في أحد تقاريرها عن استخدام "قوات الأمن السورية العنف الجنسي لإذلال والحط من شأن المحتجزين مع إفلات تام من العقاب". وأكدت أن الاعتداءات لا تقتصر على المحتجزين، "فقد اعتدت القوات الحكومية ومليشيات "الشبيحة" الموالية للحكومة على النساء والفتيات أيضا، في أثناء الغارات على المنازل ومداهمة المناطق السكنية".
هذا الأمر حدثنا عنه أيضا الشاب أدهم، القادم من سوريا قبل ثلاثة أشهر فقط، الذي قال: "كان هناك تعمد باستهداف النساء وإذلالهن وخاصة من الشبيحة".
وفي المؤتمر تحدث الطبيب خليل بجبوج عن مبادرة، تقدم بالتعاون مع كلية الطب في جامعة برلين، لتدريب أطباء على كيفية المعالجة النفسية لضحايا الثورة السورية. وتم رصد مبلغ 700 ألف يورو لهذا البرنامج التدريبي.
مثل هذا المشروع وهذه الأعمال الإغاثية سيصبح تنفيذها بالتأكيد أسهل، لو توقف نزيف الدم السوري، وهو ما يأمله المشاركون في المؤتمر، ليسهل مسح الدموع وتضميد الجراحات في وطنهم المنكوب وما أكثرها.