Exam atmospher
١٦ أغسطس ٢٠٠٩تتذكر الطالبة السورية سوزان أ. والدها عندما كان يجول ذهابا وإيابا أمام نافذة غرفتها في ساعة متأخرة من الليل كي يتأكد من استمرارها في التحضير لامتحانات الثانوية العامة بدلا من النوم رغم حلول منتصف الليل. ولم يخلو الأمر من إطلاقه تهديدا ووعيدا بمعاقبتها إذا لم تتمكن من النجاح بدرجات تؤهلها لدراسة فرع مرموق في الجامعة على حد قولها. أما الفرع المرموق فيعني بالنسبة له أحد فروع الهندسات أو الطب أو الصيدلة كونها تضمن مستقبل الأبناء في العمل والدخل الوافر والمركز الاجتماعي على حد اعتقاد غالبية الآباء والأمهات.
وهكذا عاشت سوزان تحت ضغط نفسي كبير يواجهه غالبية أقرانها كل سنة في سوريا خلال فترة التحضير للامتحانات خلال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران من كل عام. ومن بين هؤلاء ابراهيم د. الذي أمطرته أمه في هذه الفترة بفناجين الشاي والقهوة كل مساء كي يسهر الليل ويحضر لامتحاناته بهدوء وروية. أما أحمد م. فكان يلقى معاملة مشابهة من أمه التي كانت تردد على مسامعه بيتا شعريا لم تحفظ غيره ويقول هذا البيت: "بقدر الجد تُكتسب المعالي... ومن طلب العلا سهر الليالي". ويصل الأمر لدى الكثير من العائلات إلى منع مشاهدة التلفاز والخروج مع الزملاء وإشاعة أجواء استنفار حقيقية إلى أن تمر الامتحانات بحيث يمكن الحديث عن أجواء "خوف ورعب امتحاني" حقيقية تزداد حدتها في شهر حزيران/ يونيو كما يقول أحمد. وعلى ضوء ذلك تتردد في أوساط الطلاب الكثير من التسميات التي تسخر من هذا الشهر الذي يسمونه "الشهر الأسود"، كما يردد بعضهم: "ليت السنة تمر دون حزيران".
"خوف ورعب امتحاني"
ولا يثير أجواء "الرعب ألامتحاني" هذه الأهل فقط، بل مراقبي الامتحانات كذلك. فالكثير من هؤلاء يعقد حاجبيه ويراقب بشك وريبة كل حركة للطالب في قاعة الامتحانات رغم ارتفاع درجات حرارة الصيف فيها كما تقول ريم أ. وتضيف: "لا يندر أن يتم إخراج طالب من قاعة الامتحانات وحرمانه منها بتهمة الغش لمجرد قيامه ببعض الحركات يمينا أو يسارا بشكل قد يعطي الانطباع بأنه يحاول نقل الإجابة عن جاره، بينما هو في الواقع يقوم بحركة طبيعية أو يحاول التخفيف من الجو الحار عن طريق الحركة". وهذا أمر يزيد من توتر الطالب ومعاناته النفسية بشكل ينعكس بشكل سلبي على نتيجة الامتحانات.
"الطالب بحاجة إلى الهدوء بدلا من الضغوط"
لكن حالات الطوارئ هذه ليست السبيل إلى النجاح في معظم الأحيان، فقد رسب ابراهيم د. مثلا في امتحانات الشهادة الثانوية رغم سهره الليالي بمرافقة شاي أمه وقهوتها. ويضيف ابراهيم: "كان خوفي يزداد من الفشل كلما اقترب وقت الامتحان لدرجة أنني كنت أنسى المعلومات قبيل بدء توزيع الأسئلة في قاعة الامتحانات في وقت كنت أتذكر فيه أيضا ذهاب أمي ومجيئها". وقد لاقت الطالبتان سامية ج. ورود أ. مصيرا أفضل حيث نجحتا في امتحانات الثانوية العامة، ولكن دون المستوى المطلوب لدراسة الفرع الذي يرغب به أهلهن. تقول سامية بأن والدها كان يعدها بسيارة إذا نجحت بالعلامات المطلوبة لدراسة الطب أو الهندسة، غير أن ذلك لن ينفع لأن الضغوط التي مورست شتت أفكارها وخلقت لديها ردة فعل سلبية إزاء ما يرسمه والدها لمستقبلها دون استشارتها. وفي هذا السياق تقول زميلتها روز:"لا يعجبني أن يقوم أحد بتقرير مصيري بعد الثانوية دون مراعاة رغباتي وميولي، يريدون مني دراسة فرع طبي أو هندسي مع أن ذلك لا يعجبني"، وتضيف: "وعليه فإن الضغوط لن تنفع في دفعي للحصول على الدرجات المطلوبة لذلك لأنها تحدث رغما عن إرادتي".
ويوافق علم الاجتماع والطب النفسي سامية و روز رأيهما فيما يتعلق بالضغوط النفسية التي لا يرى فيها جدوى لأنها ترهق الطالب وتنسيه المعلومات التي حفظها من أجل الإجابة على أسئلة الامتحان على حد قول الدكتور هيثم أبو حمود أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلب. ويرى الدكتور هيثم بأن الطالب يحتاج إلى الراحة والهدوء بعيدا عن الضغوط حلال فترة التحضير للامتحانات التي يلعب فيها الكثير من الأهل دور الرقيب على سلوك أبنائهم واهمين بأن ذلك يساعدهم على التركيز والنجاح بمعدلات عالية.
"ليس هناك وظائف لائقة وأخرى غير لائقة"
لكن معظم الأهالي لا يعطون عادة أهمية لكلام علم النفس، وعليه فإنهم يستمرون في ممارسة ضغوطهم على أبنائهم كل موسم امتحاني وفي أذهانهم فقط دراسة الطب أو الهندسات لأنها الفروع الوحيدة التي تطعم خبزا هذه الأيام على حد تعبير دلال ع. والدة إحدى الطالبات اللواتي تقدمن لامتحانات الثانوية ولم ينلن العلامات المطلوبة. وتقول دلال: "لا يوجد مستقبل في بلدنا لدارسي المهن والحرف، وعليه يبقى المجال فقط للفروع الجامعية أمثال الصيدلة والطب والهندسة". غير أن الدكتورة عهد حورية، أستاذة قسم المناهج في كلية التربية بجامعة حلب لا توافق على ذلك لأن الكثير من المهن والحرف برأيها تضمن لدارسيها ومتقنيها مستقبلا أفضل مما تضمنه الشهادات الجامعية بما فيها شهادات الطب والهندسة"، وبحسب حورية فان المشكلة تكمن في ثقافة العمل السائدة في المجتمع كالمجتمع السوري والتي تصنف المهن والأعمال إلى لائقة وأخرى غير لائقة. وهو أمر ينعكس بشكل سلبي للغاية على تطور البلاد حيث "يزداد عدد الأطباء والمهندسين في وقت يشهد فيه سوق العمل نقصا في البنائين والنجارين وأمثالهم". وفي السياق نفسه يقول الدكتور ماريو رحيم، أستاذ العلاج النفسي في جامعة تشرين السورية: "إن مجتمعنا تربى على التفكير بكلام الآخر وصب اهتمامه على الظهور بمستوى منمق لاعتقاده أن ذلك هو السائد في المجتمعات الغربية التي يعتبر تقدمها نموذجا له".
الكاتبة: عفراء محمد ـ سوريا
مراجعة: عبده جميل المخلافي