أجنبيات وعراقيات في مقدمة ضحايا الاتجار بالبشر في سوريا
٣٠ يناير ٢٠١٠هيلدا، فتاة أثيوبية أتت إلى حلب السورية عن طريق ما يسمى "مكاتب التشغيل" بقصد العمل كخادمة لدى سيدة مريضة، غير أن ابن السيدة قام باغتصابها مرات كثيرة كما قام ببيع جسدها لمعارف وأصدقاء مقابل مال. وتعبر هيلدا عن هذه الفترة قائلة: "حاولتُ الهروب من البيت، كما أخبرت صاحب مكتب التشغيل الذي تم توقيع عقد العمل عنده بما أتعرض له، لكنه لم يحرك ساكناً"، فما كان من حل أمامها سوى الرضا والقبول بالانتهاكات الجسدية والنفسية التي تتعرض لها، إلى أن عرفت بوجود مركز في حلب لرعاية الأشخاص الذين يتعرضون للتجارة بأجسادهم.
"لجأتُ إليه لتنتهي رحلة الموت البطيء الذي كنت أقابله يومياً"، تقول هيلدا التي تشعر بالأمان في المركز الذي تم افتتاحه في السابع من يناير/ كانون الثاني 2010 بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية والاتحاد الأوربي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية وجمعية رعاية الأحداث للبنات في حلب. هذا المركز الثاني من نوعه في سوريا، حيث يوجد مركز مماثل في دمشق تم افتتاحه نهاية 2008، يركز على حماية النساء اللاتي يتعرضن للاستغلال والمتاجرة بأجسادهن أمثال هيلدا. ويُخص بالذكر منهن الأجنبيات اللواتي يقصدن سوريا للعمل من بلدان فقيرة، أو للجوء بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة في بلدانهن كما هو عليه الحال في العراق.
جمعيات أهلية سورية: "العراقيات في مقدمة الضحايا"
وتُقدر جمعيات أهلية سورية أن تكون العراقيات في مقدمة ضحايا الاتجار بالجنس كونه يوجد في سوريا 1.5 مليون عراقي لجأوا إليها حسب تقديرات جهات سورية ودولية. ويعيش عدد كبير منهم في ظروف صعبة مما يضطرهم إلى القبول بالأعمال دون التفكير في الشروط المطروحة، مثل العراقية تمرا، التي تعرضت للتجارة بجسدها بعد قيام شاب باستغلالها بحجة أنه سيدبر لها عملاً في إحدى الشركات الخاصة. "تعرفت إلى شاب وعدني بتأمين فرصة عمل، لكنه اشترط أن نسهر سوياً في مطعم حتى يعرفني على أشخاص نافذين" كما تقول تمرا.
وقام الشاب بإجبارها على شرب الكحول حتى الثمالة إكراماً له ولضيوفه، فكانت النتيجة أنها وجدت نفسها صباحا في سرير بجانب شخص لا تعرفه. وهكذا بدأت تمرا ترضخ لأوامر ذلك الشاب الذي كان يبيع جسدها لأصدقاء ومعارف مقال مبلغ من المال، وعندما هددته بإحضار الشرطة، حذرها من ذلك لأنها ستعرض حياتها للخطر، قائلاً إن معظم الزبائن من "كبار النافذين" وسينتقمون منها. وانتهى المطاف بتمرا إلى اللجوء إلى المركز المخصص لضحايا الاتجار بالجنس، حيث تقدم لها الرعاية النفسية والقانونية بهدف حل مشكلتها. وإضافة إلى أجنبيات يستقبل المركز أيضا أطفالا أيتام وسوريات وقعن ضحية الاتجار بالجنس.
زيادة المتاجرة بالجنس مع لجوء مئات الآلاف من العراقيين
لا توجد حتى الآن إحصاءات رسمية في سوريا عن جرائم الاتجار بالأشخاص، حسب ماريا رمان المسؤولة في مكتب منظمة الهجرة الدولية في دمشق، وتقول رمان بأنه من الصعب أيضا توفير إحصاءات دقيقة حول المشكلة، لأن هذه الجرائم تحدث في الخفاء وغالباً ما تعتمد على تكهنات وتحليلات. كما يحرص المعنيون بشدة على التستر عليها، لاسيما في المجتمعات المحافظة على حد قول ميرفت زيوار، مديرة كل من جمعية رعاية الأحداث للبنات والمركز السوري لضحايا الاتجار بالبشر بمدينة حلب، وتضيف زيوار في هذا السياق: "إن طبيعة المجتمعات المحافظة كحلب مثلاً تفرض التستر على هذه الحالات خوفاً من العار وألسنة الناس".
وفي كل الأحوال فإن حالات المتاجرة بالجنس ازدادت خلال السنوات الخمس الماضية، لاسيما بعد تدفق مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين إلى مختلف المناطق السورية. وفي هذا الإطار، يقول أحمد مجون، المحامي المتطوع في مركز حلب لضحايا الاتجار بالبشر: "إن استمرار النزاعات المسلحة في العراق، إضافة إلى استقدام نساء للعمل بطرق غير شرعية يؤدي إلى وقوع الكثير من النساء ضحية الاتجار بأجسادهن ويضيف: " إذا رفضت الخادمة القادمة عبر الحدود ما يمليه عليها صاحب العمل، فإنها تعرّض نفسها للسجن بحجة إنها أتت بطريقة غير شرعية".
الترحيل والزواج والتأهيل في مقدمة الحلول التي تقدم للضحايا
ويهدف المركز الجديد بالدرجة الأولى إلى " إيواء الضحايا الأجانب وتقديم الرعاية الصحية والقانونية لهن، ريثما يتم إيجاد حل لمشاكلهم بما في ذلك ترحيلهن إلى بلادهن" كما يؤكد ربيع محمد تامر، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في مدينة حلب السورية ويضيف: "المركز موجه بالدرجة الأولى لرعاية الضحايا الأجانب، لكنه يأخذ على عاتقه أيضا ًمساعدة الضحايا السوريات من خلال الإصلاح بينهن وبين الأهل، وكذلك تدريبهن على بعض المهن كالخياطة والطباعة على الكمبيوتر". أما في حال عدم رغبة الضحية بالعودة إلى الأهل، فإن هناك فرص أخرى مثل "تزويجهن برضاهن" على حد تعبير أسمهان القنوات، رئيسة مجلس إدارة في جمعية رعاية الأحداث للبنات ومركز حلب لضحايا الاتجار. وتضيف أسمهان: " قمنا بتزويج عشرين فتاة كن في جمعية رعاية الأحداث للبنات، وبالطبع سوف نحاول القيام بأعمال مشابهة في المركز الجديد في مدينة حلب السورية".
مرسوم تشريعي سوري لمكافحة الاتجار بالبشر
وجاء افتتاح المركز الثاني من نوعه في سوريا متزامناً مع إصدار المرسوم التشريعي السوري رقم 3 أوائل 2010، والذي يُعتبر أول خطوة مباشرة للقانون السوري "ضد هذه الجريمة الأقل معاقبة في العالم" بحسب تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للبرلمانيين، حيث أكد التقرير أنه لا تتم سوى معاقبة مجرمين اثنين عن كل خمسة آلاف جريمة اتجار بالبشر حول العالم.
ويفرض المرسوم التشريعي السوري لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر عقوبات قاسية بحق المجرم، إذ ينص في المادة السابعة منه على «عقوبة الاعتقال لمدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية بحق كل من يرتكب جريمة من جرائم الاتجار بالأشخاص أو يشارك أو يحرض أو يتدخل فيها أو يعلم بها ولا يبلغ عنها أو من ينضم إلى جماعة إجرامية هدفها أو من بين أهدافها الاتجار بالأشخاص»؛ كما ينص على تشديد العقوبات إذا كانت الجريمة ضد النساء أو الأطفال أو ذوي الحاجات الخاصة. وينص المرسوم أيضا على استحداث إدارة متخصصة بمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في وزارة الداخلية.
الكاتبة: عفراء محمد – حلب
مراجعة: سمر كرم