يونس وقاس: مسلم في قيادة حزب مسيحي في ألمانيا
٧ ديسمبر ٢٠١٢يونس وقاس نموذج لشاب طموح يرسم مسيرته السياسية بكل ثبات. شاب ما فتئ يعبر عن إعجابه بصانع الوحدة الألمانية هيلموت كول، أو "المستشار الخالد" كما يسميه يونس وقاس. إنه مسار غير عادي لشاب من أصول مهاجرة. وعن مسيرته السياسية الاستثنائية كشاب من أصول مهاجرة يقول وقاس "العزيمة والصبر والمثابرة سبيل النجاح". فكيف استطاع يونس الوصول إلى قمة أكبر حزب سياسي في ألمانيا؟
"لن تأتي منك ومن أثرابك فائدة تذكر"!
ولد يونس وقاس عام 1988 في مدينة منهايم وسط ألمانيا من أبوين مغربيين. بعد انفصال والديه، رافق والده إلى المغرب وهو في الرابعة من عمره. قضى هناك أربع سنوات ليرجع إلى ألمانيا ويترعرع في كنف أمه وزوجها الجديد في مسقط رأسه. شكل الانتقال من بيئة إلى أخرى صعوبة كبيرة بالنسبة لهذا الطفل الذي ولج المدرسة الابتدائية، فوجد نفسه يعاني من مشاكل كثيرة في اللغة الألمانية. ويتذكر يونس هذه المرحلة قائلا "كنت أعاني من نقص كبير في اللغة الألمانية، مما دفع زوج أمي إلى الجلوس معي لساعات أثناء الليل لمساعدتي للتغلب على هذا المشكل". وأصبح يونس ممتنا للأب الجديد وشاكرا له فضله عليه.
ونظرا لهذه المشاكل، وجد يونس وقاس نفسه مضطرا للالتحاق بما يسمى بسلك "الهاوبتشوله" (وهو سلك دراسي له سمعة متدنية، لكونه لا يسمح لصاحبه بالحصول على شهادة نهاية الدروس الثانوية أو باكالوريا)، وذلك بناء على النقاط المتدنية التي حصل عليها في التعليم الأساسي، وبالتالي الحرمان من التعليم الأكاديمي. ومرة أخرى يتذكر يونس سخرية أحد أساتذته حين قال له "لن تأتي منك ومن أثرابك فائدة تذكر". غير أن إصرار تلميذنا على المثابرة، وبفضل مساعدة زوج الأم مكنه من القفز إلى سلك "الغيالشوله" الذي يتيح إمكانية الحصول على باكالوريا متخصصة. وهو ما حققه وقاس بحصوله على شهادة البكالوريا في الاقتصاد سنة 2009 ليلتحق بجامعة يينا شرق ألمانيا لدراسة الاقتصاد. لقد أعتبر نفسه وقتها أنه "متسابق ماراتون يواجه رياحا عاتية وأمطار تتهاطل بغزارة محملة بالثلوج". لذلك تراه اليوم يتنقل في ألمانيا بأسرها من أجل الترويج لمثله، وشعاره في ذلك: السياسة متعة وكسب لصداقات جديدة.
شاب مسلم يرأس تنظيمات مسيحية
التحق يونس وقاس بشبيبة الحزب المسيحي الديمقراطي في سن 15. وبعد فترة وجيزة من ذلك انتخب رئيسا ل"الشبيبة التلاميذية الحزبية" التي كانت تضم وقتها عشرة آلاف منخرط. وقد شغل هذا المنصب لمدة سنتين من 2008 إلى 2010. ومنذ يناير من هذا العام (2012) يشرف على التنظيم الطلابي للحزب نفسه في ولاية تيرينغن. وبذلك يكون أول شاب من أصول مسلمة يرأس تنظيمات تابعة لحزب مسيحي.
لم يقف طموح هذا الشاب عند هذا الحد، بل إنه، وفي خطوة مفاجئة، انتخب ضمن قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي. وجوابا على سؤال لـ DW عن وجود مسلم داخل حزب مسيحي؟ قال وقاس "وما المشكل في ذلك، إنني لا أرى أي تعارض في هذا الوضع". ويصف نفسه كمحافظ ليبرالي ملتزم، وكمسلم متدين، واعتبر أن "العمل الحزبي داخل حزب ميركل، يشكل له قاعدة دينية أساسية". ويرى أن هذا الحزب يجسد قيما محافظة. كما يرى فيه حزبا واقعيا ومتوازنا. وأضاف موضحا "أعشق السياسة التي تكون مبنية على أساس ديني" مستطردا أن "إسلاما منفتحا ومسيحية ليبرالية هما وجهان لعملة واحدة. إنهما يدعوان للقيم المحافظة التي تعتبر الأسرة والخير من دعاماتها".
ويرتبط يونس وقاس بالمقولات الأساسية لإيديولوجية الحزب إلى درجة التماهي، خاصة في القضايا التي تثير جدلا في المجتمع الألماني كالحجاب والاندماج والسياسة الخارجية. وفي هذا الإطار يعبر يونس وقاس عن دفاعه المستميت على بينية الأسرة التقليدية والمعارضة الشديدة للإجهاض. إذ تعرف ألمانيا نحو مئة وعشرين ألف حالة إجهاض في السنة. مما يعني فقدان ألمانيا لأربعة ألف تلميذ. لذلك يدعو إلى تقييد صارم للإجهاض والسماح به في الحالات القصوى فقط. كما أنه يعتبر أن منح أقراص منع الحمل بالمجان على الشباب بالأمر غير المقبول.
"مرحبا بكم في ألمانيا"
متى يكون المهاجر مندمجا في المجتمع؟ يرد يونس وقاس بقوله "عندما يشعر بأنه في بيته". ويقر هذا الشاب بنجاعة سياسية "مرحبا بكم في ألمانيا" التي أقرتها الحكومة الألمانية. ويطالب بالمقابل بنوع من الاعتراف الصريح من طرف المهاجرين تجاه ألمانيا. وفي الوقت نفسه يدعو الحكومة بسن سياسة واضحة للهجرة. وهو يعارض مبدأ المحاصصة (الكوتا) التي دعت لها الحكومة، إذ يعتبر ذلك "قرارا أرعن"، على اعتبار أن الجميع سواسية أمام القانون. "إنها في نظري ليست خطوة نحو الاندماج. من البديهي أن يعمل المهاجرون في أي مكان بناء على مؤهلاتهم" بحسب قوله.
وفي سياق متصل بالجدل حول الإسلام في ألمانيا، نجد أن وقاس يعارض تخصيص حصة للإسلام في المدارس الألمانية. لأنه يعتبر ذلك حاجزا أمام الاندماج. ويرى أن "ألمانيا بلد مسيحي المنحى، لذلك على الجميع أن يتكيف مع هذا المعطى". ويعطي المثال بنفسه حين يقول "أنا الآخر تكيفت مع هذا الوضع دون أن أفقد قيمي". ففي مجتمع تقطنه أغلبية مسيحية تكفي حصص دينية خاصة بالكاثوليك والبروتستانت على حد تعبيره. وما عدا ذلك ينبغي تلقينه للتلاميذ في مادة الأخلاق، كي تتاح لهم الفرصة للتعرف على الأديان المختلفة دون تمييز. وفي هذا السياق يعتبر أن الرسالة الأساسية لمادة الأخلاق هي إشاعة قيم التسامح وتشجيع حوار الأديان والثقافات. ويطالب وقاس أيضا بمراقبة صارمة للمساجد لمواجهة التطرف والإرهاب والتصدي ل "المجتمعات الموازية.