يوم المساجد المفتوحة في ألمانيا - معا ضد التطرف
٣ أكتوبر ٢٠١٤أجواء استثنائية اليوم في مسجد المهاجرين في مدينة بون في ألمانيا. عادة عندما ينتهي المصلون من الصلاة ينصرف كل واحد إلى حال سبيله ويعم السكون ليعود المسجد ليمتلئ من جديد عند اقتراب موعد الصلاة الموالية. لكن اليوم وبعد انتهاء الإمام من صلاة العصر بدأ المسجد يشهد نشاطا غير معتاد. فاليوم هو يوم الأبواب المفتوحة للمساجد، حيث تفتح المساجد أبوابها أمام غير المسلمين ليتعرفوا عن قرب عن الإسلام والمسلمين ويشكلون صورة شخصية بعيدا عما يقرؤونه في الصحف أو يشاهدونه في قنوات التلفزيون.
مسجد المهاجرين في بون استعد بدوره لهذه المناسبة الخاصة، التي تصادف احتفال ألمانيا بذكرى الوحدة، حيث زينت جدرانه بلافتات تقدم تعريفات مختصرة بأركان الإسلام الخمسة وبالنبي محمد. كما أعد المسجد لجنة خاصة للاستقبال الضيوف وإرشادهم.
فرصة للنقاش وتبادل الأفكار
عدد لابأس به من الزوار بدأ يتوافد على المسجد، من بينهم سيدة وضعت على رأسها غطاء وأخذت مكانها بين الحاضرين. اقتربت من هذه السيدة الألمانية، التي يبدو من ملامحها بأن عمرها يقارب الستين، فسألتها عن السبب في تواجدها هنا فأجابت، "سمعت اليوم في الإذاعة عن يوم المساجد المفتوحة، فقررت الذهاب لزيارة أحد مساجد بون فأنا لم يسبق لي أن تعرفت على شكل مسجد من الداخل". وأضافت هذه السيدة التي يرافقها زوجها إلى هنا، "أردت أن أقدم رسالة من خلال وجودي هنا، وهي أن الألمان منفتحون على المسلمين ويرغبون في التعرف عليهم عن قرب."
بعد أن ازداد عدد الضيوف، أعلن المشرفون على هذا النشاط عن انطلاق نقاش مفتوح على مائدة مستديرة، حيث جلست سيدة في الثلاثينيات من العمر على مكتب في وسط المسجد وبدأت ترد على أسئلة الحاضرين. إتقان هذه السيدة للغة الألمانية وطريقة تفاعلها مع أسئلة الحاضرين يشير إلى أنها مولودة في ألمانيا ولديها دراية بطبيعة المجتمع الألماني.
تركزت معظم التدخلات على أعمال العنف التي ترتكب من طرف الجماعات المتشددة باسم الإسلام مثلما ما نراه في العراق وسوريا، حيث تساءلت إحدى الحاضرات "هل صحيح أن قرآنكم يحث على قتل الكفار؟" فأجابتها المشرفة على الحوار، بأن "الإسلام يرفض قتل أي شخص سواء كان مسلما أو كافرا" وقدمت حججا على رأيها انطلاقا من آيات من القرآن.
كما سألت أخرى عن التطرف في الإسلام، فردت المحاضرة على أن التطرف ليس له دين، بل هو ظاهرة اجتماعية قد تظهر عند مختلف الإيديولوجيات اليمينية أو اليسارية. وأضافت المشرفة على إدارة جلسة الحوار، "محاربة التطرف مسؤولية الجميع فالتطرف يظهر للوجود عندما تصبح الآفاق مسدودة في وجه الشباب ولا يجدون من يحتضنهم ويقدم العون لهم".
كلنا مسؤولون عن محاربة التطرف
بعد الانتهاء من جلسة المناقشة وتبادل الأفكار، رافق المشرفون الزوار في جولة حول المسجد، حيث زاروا قاعة الصلاة المخصصة للنساء وهناك لم تتردد سيدة شابة في القول" لماذا يصلي النساء خلف الرجال أليس في ذلك حيف لهن". فأجاب المرافق بكل هدوء" طبيعة الصلاة تقتضي الركوع والسجود وإذا كانت النساء تصلي أمام الرجال فقد يشوش ذلك على تركيزهم وخشوعهم كما أن هناك من النساء من لا ترغب بطبيعتها أن يرها شخص آخر وهي في وضعية الركوع أو السجود". وهو جواب قد يكون قد أقنع الشابة التي ردت بابتسامة خفيفة.
واختتم الضيوف جولتهم بزيارة لمقهى المسجد، حيث كانت المشروبات والحلويات الشرقية والمغربية من مختلف الأشكال في انتظارهم، ليجلس الجميع جنبا إلى جنب لتبادل أطراف الحديث بعيدا عن الأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة. أما أنا وقبل الانصراف، سألت سيدة كبيرة في السن عما استفادت منه اليوم في مناسبة يوم المساجد المفتوحة فأجابت " لقد تأثرت بكلام السيدة التي كانت تجيب عن الأسئلة، عندما قالت بأننا كلنا، وليس المسلمون فقط، مسؤولون عن التطرف الذي يقع فيه بعض الشباب اليوم، لأن غياب الفرص والآفاق لدى هؤلاء الشباب من الأسباب الرئيسية التي تدفعهم للتطرف".
هشام الدريوش ـ بون