"يوم الغضب" ـ هل يمكن نقل التجربة التونسية إلى مصر؟
٢٤ يناير ٢٠١١كان الصحفي والناشط السياسي عمر قناوي من أكثر الداعمين للثورة التونسية في الفضاء الإلكتروني، وسيشترك يوم غد الثلاثاء (25 كانون الثاني/ يناير) في مظاهرة "يوم الغضب"، الذي أعلنته قوى الاحتجاج في مصر، رغم قناعته بقصور الدعوة لعدم الإعداد لهذه التظاهرة بشكل جيد. لكنه يأمل في أن يكون هذا اليوم "بداية مختلفة لتراكم الاحتجاج". إذ لا يتوقع قناوي مشاركة أكثر من 2000 شخص في كل التظاهرات، إلا أنه يقول: "أرى نفسي مضطراً لأن أعقد الآمال على أن تكون تلك بداية لانتشار ما يمكن تسميته بـخلايا الغضب". وفي حوار مع دويتشه فيله قال الصحفي المصري إن "الحديث عن ثورة (ياسمين قاهرية) لا يمت إلى الواقع بصلة. نحن نعيد اختراع العجلة منذ عام 2005، ولا ننتج كوادر حقيقية فاعلة تخطط لعمل طويل المدى".
"النظام نفسه يربي الإسلاميين في حجره"
من جانبه يرى خالد علي، مدير المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، في حوار خاص مع دويشته فيله أن "الإلهام التونسي في ربط المطالب الاقتصادية بالمطالب السياسية أنتجت نموذجاً أقرب ما يكون إلى ايدولوجيا المجتمع المدني".
ويشير المحامي المصري إلى أنه رغم أوجه الشبه بين الحالتين المصرية والتونسية المتمثلة في الفساد انسداد المسار السياسي الديمقراطي وسوء الأحوال الاقتصادية، "إلا أن أوجه الاختلاف حاسمة فالتعليم مثلاً في تونس جعل الطبقة الوسطى تلتحق طوعياً بالثورة التي بدأت من الهوامش، كما أن التنظيمات النقابية أقوي في تونس منها في مصر"، معتبراً أن اتحاد عام النقابات ليس سوى ذراع عمالي للحزب الحاكم.
كما أوضح المحامي علي أن دور الجيش كان حاسماً في إنجاح الثورة التونسية، "فهو لم يتورط قط في قتل الناس بل عمل على إنجاح الثورة حين ضغط لإقصاء وزير الداخلية ثم أخيراً حسم شأن الدولة المدنية". أما الحالة في مصر فعلى النقيض من ذلك، إذ أن "النظام نفسه يربي الإسلاميين في حجره ويستخدمهم فزاعة للغرب وخصومه الداخليين".
استجابة وقائية
وعن الاستجابة الوقائية للنظام المصري مما حدث في تونس يرصد المحامي، صاحب (دعوة الحد الأدنى للأجور)، إقدام وزارة التربية والتعليم على إلغاء قرار نقل تعسفي لبعض موظفيها بل وصرف حوافز لهم. كما قامت الحكومة المصرية بصرف علاوات استثنائية لعمال القطاع العام، إضافة إلى "فرملة" قانوني التأمين الصحي والوظيفة العامة، اللذين كانا على وشك التطبيق، وتدخل النائب العام لصرف مستحقات عمال شركة "مصر المنوفية للغزل والنسيج" وتعديل لائحة العلاج في المستشفيات التعليمية بما يسمح بصرف العلاج للفقراء بحد أدنى قدره 40 في المائة من ميزانياتها. وتأتي هذه القرارات والإجراءات في محاولة لإرضاء الشارع المصري، كما يقول المحامي المصري.
ويصنف علي النظام في مصر على أنه "ديكتاتورية مرنة تسمح بوجود مجتمع مدني مشوه، وأحزاب كارتونية، ونقابات مهيمن عليها. أما الخط الأحمر الوحيد فيتمثل في حرية التنظيم، الذي سيسمح بتشكيل صورة معارضة حقيقية ضاغطة".
الأمن يخشي الصدام
يرى محمد نعيم، الناشط السياسي في تيار اليسار الديمقراطي، أن النظام لا يتعامل مع تظاهرة "يوم الغضب" بجدية تعامله مثلاً مع أحداث 6 نيسان/ أبريل 2006، فوزير الداخلية لم يظهر في الصفحة الأولى لجريدة "الأهرام" محذراً من مغبة المشاركة، كما حدث عام 2006. بل "على العكس من ذلك تحركت ميليشيات الحزب الوطني لتنظيم مظاهرة مبايعة للرئيس مبارك في الوقت الذي بدأت فيه الدعوات للتظاهر في يوم 25 يناير". ويشير نعيم إلى أن النظام ضمن ولاء أجهزته المدنية، كما أن أحزاب المعارضة الرسمية كالوفد والتجمع تشجب التظاهر.
ورغم أن المحركين لدعوة "يوم الغضب" يتوقعون صداما علي الطريقة التونسية إلا أن الأجهزة الأمنية تبدو مستعدة لذلك، وربما يشتعل الأمر لو طبقت دعوة التظاهرات الجانبية المتواترة في أحياء شعبية التي أطلقها بعض الخبراء، لأن قمع تظاهرة كبيرة في مكان ظاهر كميدان التحرير في وسط القاهرة سهل، أما تفرقها ومحدودية عددها فقد يشعل ما يخاف منه النظام من انضمام جماهير عادية إليها.
المؤرخ السياسي شريف يونس يري أن 25 يناير سيكون تجليا حقيقا لأشباح تونس، وهي الأشباح التي تدرك المعارضة والنظام في مصر إمكانية خلقها من فضاء "عود ثقاب، وفضاء غازي مناسب"، فعلي الرغم من "عجالة الترتيب" و"كولاج" مطالب "يوم الغضب" إلا أن كل الاحتمالات مفتوحة، فالنظام قد يسمح للناس بالتجمع، لكنه لن يسمح لهم بالحركة في الشارع، وقد يضرب التجمعات من مهدها بحملة اعتقالات قبل الوصول لمكان التجمع، وآليات الدعوة ومنتجيها من الحركات الاحتجاجية يكررون نفس السيناريو وهو" الانطلاق من الفضاء الافتراضي" ومحاولة الارتباط بمطالب فئوية (إضراب عمال المحلة) دون تغيير.
النظام المصري يساوم الشرائح الاجتماعية
ويشرح شريف سياسية المساومة التي يتبعها النظام منذ2005 قائلا:" النظام يطبق سياسة إدارة الفقراء وندرة الاقتصاد، فهو يخضع الشرائح الاجتماعية الأكثر سخطا لمساومة رذيلة، عليك أن تستميت لتثبت أحقيتك في أدني الحقوق، وقبل انفجارك بلحظات سأتيحه لك، بأكبر قدر من المناورة والالتفاف علي مطلبك، ستدفع من كرامتك ووقتك الكثير كي تحصل علي أقل القليل، فالنظام مؤمن بالأثر التساقطي لسياساته الاقتصادية، أنه يحقق معدلات نمو 7% ولا يعود نفعها إلا علي شرائح بعينها، ولكي يكمل مسيرته عليه أن "يرشي" القطاعات الأكثر سخطا من آن لآخر.
النظام السياسي في مصر ، وفقا لشريف، يحمل أيدلوجيا شعبية منذ ثورة 1952، لقد جاء الضباط الأحرار لخير الشعب، لذا لا يؤخذ نزول المواطنين للشارع بخفة، ولو نزل آلاف المسيسين يستطيع الأمن التعامل معهم، لكن الناس العاديين لهم حصانة، لذا "يرشيهم" النظام من وقت لآخر، ووفقا لهذا التأسيس الشعبوي سينزل الجيش إلي الشارع في حالة الاضطراب بشروط قاسية وسرية، يكون أولها إلغاء النظام لقراراته التي أدت إلي الانفجار كما حدث في عام 1977، فالجيش في مصر شعبي ولن يفقد شرعيته التاريخية لقتل المواطنين، لذا لا يراهن شريف كثيرا علي 25 يناير، فالشرائح النخبوية من الطبقة الوسطي معزولة عمليا عن "الجماهير المرشوة"، لكن تلك النخب تراهن علي "الاشتعال السريع" ، وهو نفس الأمر الذي يخشاه النظام بالصدفة.
هاني درويش-القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل