يوم التَنَوُّع: الخلفية الاجتماعية كعائق للارتقاء الوظيفي؟
٣١ مايو ٢٠٢٢من يجتهد ويظهر القدرة على تحقيق إنجازات؛ تفتح له كل الأبواب في ألمانيا. هذا الكلام يبدو جيدًا، لكنه للأسف لا يتوافق دائما مع ما يحصل في الواقع. فغالبًا ما تكون الموهبة والالتزام غير كافيين؛ ويحتاج الناس أيضًا إلى فهم الرموز أو المفاتيح الخفية للنخب، ومعرفة كيفية التصرف، وارتداء الملابس الملائمة، وممارسة الهوايات المناسبة، واستخدام الأسلوب الصحيح في الحديث حتى تفتح له الأبواب للترقي في المناصب العليا. أو بمعنى آخر: الخلفية الاجتماعية لها تأثير حاسم على الفرص الأكاديمية والمهنية التي يحصل عليها الشخص وإلى أي مدى يتعرض للتمييز.
يبدأ التمييز في وقت مبكر جدا في ألمانيا. "فأكثر من 80 بالمائة من الأطفال من العائلات أصحاب التعليم الأكاديمي يذهبون إلى المدارس الثانوية، وبالنسبة للأطفال المنحدرين من عائلات ذات تعليم أقل شكليا، فإن تلك النسبة لا تبلغ النصف حتى"، بحسب ما تقول كونستانتينا فاسيليو إنز، وهي صحفية وأحد مؤسسي موقع "منصة التنوع" "Diversity Kartell" الاستشاري، الذي يدعو إلى مزيد من التنوع في وسائل الإعلام.
وغالبًا ما يرتبط المسار التعليمي اللاحق أيضًا بمستوى تعليم الوالدين. فعلى سبيل المثال، يلتحق 79 شابًا من أصل 100 شاب من العائلات الأكاديمية بالدراسة الجامعية، بينما يلتحق 27 شابا فقط من كل 100 شاب من أسر غير أكاديمية بالدراسة في الجامعة.
لا يمكن النظر إلى الخلفية الاجتماعية بمعزل عن غيرها
بالإضافة إلى تعليم الوالدين، هناك جوانب أخرى تشارك أيضا في تحديد الخلفية الاجتماعية. ويعد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة وثيق الصلة أيضًا. ما زاد الطين بلة، هو أن البعض يتعرضون للتمييز لأسباب أخرى، على سبيل المثال إذا كان لديهم أيضًا خلفية من أصول مهاجرة.
"دخل الوالدين ومستوى تعليمهم مهمان بشكل خاص للنجاح التعليمي في ألمانيا، والأطفال من أصول مهاجرة، على سبيل المثال، يأتون في كثير من الأحيان من أسر دخلها منخفض"، تشرح فاسيليو إنز.
الطريق من القاع محفوف بالمخاطر ومليء بالعقبات
هي نفسها نجحت في الصعود لأعلى. لكن بالنسبة لكثير من الآخرين، فإن قرار الاستثمار في تعليم أنفسهم ليس بالأمر السهل. والأشخاص الذين يأتون من أوضاع غير مستقرة لا يمكنهم في كثير من الأحيان الحصول على الدعم من آبائهم عندما يواجهون مشاكل مالية، تشرح فاسيليو إنز. وأحيانا يتحتم عليهم أيضا مساعدة والديهم.
وهذا يعني أنه لا يمكن للجميع الحصول على فرصة لتدريب عملي مجانا، لكن عادة يكون لدى الأشخاص من الطبقات الاجتماعية المتميزة شبكات أفضل للحصول على مثل هذه التدريبات المطلوبة. ومن قرر الالتحاق بالجامعة يفترض أيضا، في حالات معينة، أنه سيتحتم عليه في يوم من الأيام سداد ديون قرض الطالب. وهذا قد لايكون ليس سهلا بالنسبة للأشخاص المنحدرين من أسر ظروفها صعبة.
وباختصار: "يتعين على الأشخاص من العائلات الفقيرة تحمل المزيد من المخاطر والقيام بالمزيد لصعود السلم أكثر من أولئك الذين ولدوا في الطبقة الوسطى أو الطبقة الوسطى المتعلمة"، كما تقول فاسيليو إنز، وهي نفسها، كما تقول، نشأت في أسرة فقيرة. وتتذكر قائلة: "لم أرغب في تحمل نفقات الدراسة". وكطفلة لأسرة ليس لديها مال، أرادت أولاً أن تكسب مالها الخاص بدلاً من الذهاب إلى الجامعة والاستدانة للدراسة.
صعدت السلم وتساعد الآخرين على صعوده
ناتاليا نيبومنياشا هي شابة ارتقت السلم الاجتماعي وتريد مساعدة الآخرين ليصعدوا هم أيضا. وتقول نيبومنياشا: "في حالتي كان الوضع كالتالي: كان والداي عاطلين عن العمل لسنوات عديدة، وعلى وجه الدقة منذ منتصف التسعينيات. وبالطبع بسبب ذلك لم يكن لديهم أي ثقة بالنفس على الإطلاق. وهذا أثر بشأنه على الأبناء، الذين شعروا أيضًا أنهم قد لا يتمكنون من تحقيق الكثير."
تمكنت ناتاليا بنفسها من صعود السلم الوظيفي، ولكن لم يأت ذلك بطريق مباشر، حيث هاجر والداها إلى ألمانيا من كييف، ونشأت نيبومنياشا في منطقة فقيرة محرومة في بافاريا. وانتقلت من المدرسة الأساسية أو ما يعرف في ألمانيا بـالـ Hauptschule إلى ما تسمى الـ Realschule أي المدرسة الإعدادية، وعلى الرغم من أن درجاتها كانت جيدة، لكن لم يتم قبولها في المدرسة الثانوية المعروفة في ألمانيا بـالـ Gymnasium. وبعد إنهاء دراستها بالمدرسة الإعدادية، أتمت مرحلة التدريب المهني ثم درست الماجستير في بريطانيا العظمى. وتعمل نيبومنياشا اليوم في شركة استشارات إدارية مرموقة كما أسست أيضًا موقع "شبكة الفرص" (بالألمانية: Netzwerk Chancen)، الذي يساعد الشباب من الطبقات الاجتماعية الأدنى في ارتقاء السلم الوظيفي.
وتقول ناتاليا اليوم من واقع تجربتها الشخصية: "من الضروري تمامًا التخلي عما يقال لك، أنك لست جيدًا بما يكفي، ولن تحصل أبدًا على وظيفة جيدة. كما أنه من المهم أن تدرك ما هي مواهبك، وما هي نقاط قوتك، والوظائف التي تستمتع في القيام بها."
ويدعم موقع "Netzwerk Chancen" الشباب المنحدرين من خلفيات اجتماعية فقيرة في طريقهم لصعود السلم الوظيفي من خلال التدريب المجاني وورش العمل والتوجيه وإيجاد فرص عمل لهم.
المزيد من التنوع الاجتماعي في الشركات
ومن أجل تجنب التمييز على أساس الأصل الاجتماعي، ليس من المهم فقط دعم المتضررين، ولكن يجب أيضا على الجانب الآخر إزالة العقبات من الطريق. ربما ينكر معظم الناس أنهم يلحقون الضرر بأناس من بيئة اجتماعية مختلفة عنهم. ومع ذلك، تظهر الدراسات أن هناك ميلًا عند الإنسان لتفضيل الأشخاص الذين يشبهونه والسبب في ذلك هو الأحكام المسبقة الناتجة عن "اللاوعي".
من الأمور المعقدة أيضا هو أن التمييز على أساس الخلفية الاجتماعية أقل وضوحًا من التمييز الذي يحدث بسبب العمر أو لون البشرة أو خلفية الهجرة. لذلك فالأهم هو أن يتم تدريب الأشخاص في المؤسسات التعليمية وإدارات الموارد البشرية لتكون لديهم نظرة نقدية للذات في تصرفاتهم بهذا الشأن.
وتقول نيبومنياشا هذا يبدأ مثلا بإعلانات الوظائف. وتوصي مؤسستها بإعطاء اهتمام أقل لمؤهلات المتقدمين ومقابل ذلك اعطاء المزيد من الاهتمام للكفاءات الفعلية للمتقدمين عند الإعلان عن الوظائف الشاغرة. ونظرًا لأن الساعين والساعيات لارتقاء السلم الاجتماعي، على وجه الخصوص، لم يدرسوا في كثير من الأحيان في أفضل الجامعات أو لم يحصلوا بالضرورة على درجات ممتازة، فإن هذا لا يعني أنهم لا يمكن أن يكونوا موهوبين، بحسب قول نيبومنياشا.
وحتى وسائل الإعلام أيضًا تعتبر متجانسة نسبيًا وأقل تنوعًا. فأغلب أعضاء هيئات التحرير الإعلامية من الحاصلين على شهادات جامعية. "ولكن بدأ هذ الأمر يتغير الآن في بعض المؤسسات" على حد قول فاسيليو إنز، وهي مقدمة برامج وصحفية ألمانية من أصل يوناني ولدت عام 1968. فعلى سبيل المثال، لم تعد إذاعة "هيسن" أو إذاعة "جنوب غرب ألمانيا" تشترطان بالضرورة الحصول على درجة علمية كشرط للحصول على تدريب بالمؤسستين، ولكن أيضًا يتم قبول الحاصلين على تكوين مهني.
وحتى لو كان الأمر غير مريح، فمن المفيد أن تركز الشركات على التنوع. فوفقًا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية "ماك كنزي" (McKinsey)، يمكن سد النقص المتوقع حدوثه في العمالة الماهرة في ألمانيا بنسبة 50 في المائة من خلال تنويع الموظفين في الشركات. وإذا كان مجلس إدارة الشركة متنوعًا من الناحية العرقية، فإن 36 في المائة من الشركات سيكون لديها ربحية أعلى من المتوسط. ولإجراء الدراسة التي أظهرت هذه النتيجة؛ تم تحليل بيانات من أكثر من 1000 شركة في 15 دولة.
وجدير بالذكر أن اليوم يمثل ذكرى مرور عشر سنوات على بدء الاحتفال سنويا بـ"يوم التنوع الألماني"، الذي حدد له الحادي والثلاثين من مايو/ أيار من كل عام.
إنزا فيرده/ ص.ش