يموت واقفًا.. نخيل العراق ضحية الحرب والدمار والإهمال
بعد أن تركت الحروب والنزاعات المسلحة آثاراً كارثية على أعداد النخيل في العراق، وجاء الجفاف وتقلص المساحات المزروعة ليجهز على الباقي، يحاول العراق بمشروعات طموحة لزراعة الصحراء بالنخيل واستعادة مكانته في تصدير التمور.
بدأت "العتبة الحسينية"،المؤسسة الدينية البارزة في كربلاء، مشروعاً ضخماً للحفاظ على النخيل التي تعد رمزاً وطنياً. وعلى أطراف صحراء كربلاء تصطف آلاف النخلات الصغيرة على مدّ النظر بغية زيادة عددها في العراق بعد تراجع جراء الحروب والإهمال والجفاف.
يمكن رؤية أشجار النخيل الصغيرة مزروعة على مسافات منتظمة قرب بعضها البعض عند أطراف كربلاء، على قطع أرض منفصلة ترويها برك مياه متلألئة تحت ضوء الشمس. ورغم أنها لا تزال فتيّة، تدلّت منها أغصان مليئة بثمار تمرٍ خضراء.
يجري ريّ هذه الأشجار بالتنقيط وتزوّد المياه من أحد فروع نهر الفرات و10 آبار، خلافاً للطريقة التقليدية للريّ التي تقضي بغمر التربة بالمياه، وذلك لأن العراق يواجه موجةً من التصحر والجفاف.
شكّلت النزاعات المتكررة التي ألّمت بالبلاد بدءا بالحرب بين إيران والعراق (1980 - 1988) حرب تحرير الكويت وغزو العراق عام 2003 التهديد الأبرز للنخيل، لكن التحديات البيئية والحاجة إلى إحداث نقلة نوعية بالقطاع تفرض نفسها اليوم.
التناقض صارخ مع البصرة الحدودية مع إيران والواقعة في أقصى جنوب العراق. هناك، تمتدّ على عشرات الكيلومترات الجذوع المقطوعة لما كان في الماضي شجرات نخيل، فيما سقط السعف الجاف أرضا. تكمن المفارقة في أن المنطقة تقع على ضفاف شطّ العرب حيث يلتقي نهري دجلة والفرات.
خلال الحرب العراقية الإيرانية، قطع نظام الرئيس الأسبق صدام حسين النخيل من مساحات شاسعة لمنع تسلل العدو. وباتت قنوات الريّ بدون فائدة، ولذا جرى وقف تدفقّها، أحياناً بجذوع الأشجار المقطوعة.
تعمل وزارة الزراعة حاليا على زيادة مساحات النخيل ويقول متحدث باسم الوزارة "خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأنا من 11 مليون ووصلنا إلى 17 مليون نخلة". وبدأ هذا المشروع في 2010، لكنّه توقّف في العام 2018 بسبب انقطاع الدعم المالي.
يرى الخبراء أن العقبة الأساسية التي تؤثر على زراعة النخيل هي "التجاوز على بساتين النخيل وتحويل البساتين إلى مناطق سكنية"، خصوصاً في بغداد وكربلاء. وارتفعت العديد من الدعوات للجهات الحكومية المسؤولة لمعالجة السكن من أجل أبعاد الناس عن التجاوز على المساحات الخضراء.
في شرق العراق قرب الحدود مع إيران، تظهر نتائج الحرب أيضاً في بدرة في محافظة واسط، حيث تبدو جذوع بعض أشجار النخيل الشاهقة مقطوعة. ويندّد المسؤولون المحليون بصعوبة التزوّد بالمياه منذ أكثر من عقد، مع اتهام إيران بتحويل مجرى نهر "ميرزاباد" المسمّى محلياً نهر الكلّال.
أعلن العراق في آذار/ مارس الماضي عن تصديره نحو 600 ألف طنّ من التمر إلى الخارج لسنة 2021. ويعدّ التمر ثاني أكبر منتج يصدّره العراق بعد النفط، إذ يدرّ سنوياً على البلاد 120 مليون دولاراً بحسب البنك الدولي، الذي دعا بغداد إلى العمل على تحسين النوعية وتنويع الأصناف المنتجة.
وعلى الرغم من ضخامة المشروع الذي تديره وتموّله "العتبة الحسينية"، إلّا أن التحدّي لا يزال كبيراً أمام العراق الذي كان يضمّ في الماضي "30 مليون نخلة" وينتج أكثر من 600 نوع من التمر.