ولاية شمال الراين وستفاليا - بؤرة للسلفيين؟
١٥ أكتوبر ٢٠١٨"رددِ معي"، يقول الألماني الذي اعتنق الإسلام والسلفي بيير فوغل أمام الميكروفون مخاطبا إمرأة اعتنقت الإسلام. وحشد من الأشخاص المعجبين يشجع المرأة الشابة في وسط مدينة أوفنباخ على فعل ذلك: إنها تردد كلمات الشهادة. وكان ذلك في 2010، وتوجد مشاهد مماثلة كثيرة على موقع يوتوب. وحتى 2016 كان المشهد السلفي يظهر بثقة وبقوة في العلن. رجال ملتحون في لباس شرقي مثل بيير فوغل يوزعون في غرب ألمانيا في الأسواق ووسط المدن مصاحف بالألمانية مجانا ـ في إطار عملية "اقرأ " المثيرة للجدل. إنهم يروجون في وسط المدن لتفسيرهم الراديكالي للإسلام، وحتى أوقات الفراغ يتم قضاؤها مع الإخوان في الدين في حفلات شواء أو أثناء لعب كرة القدم، في مجتمع مواز.
الاختفاء بعد المنع
واليوم لا توجد طاولات تابعة لفعالية "اقرأ". ففي 2016 حظرت وزارة الداخلية نادي "الدين الحق" الذي كان ينظم عملية توزيع القرآن. فالنادي، كما كتب حينها جهاز المخابرات "يمثل إيديولوجية تدحض النظام الدستوري وتمجد الجهاد المسلح ومثلت موقعا فريدا من نوعه في ألمانيا للتجنيد والتعبئة لإسلاميين ولأشخاص لهم دوافع للجهاد يريدون السفر إلى سوريا والعراق". ويبدو أن السلفيين الراديكاليين لم يعودوا حاضرين في العلن، لكنهم لم يختفوا. "غالبية الأنشطة تحصل بعيدا عن أنظار غالبية المجتمع"، كما يلاحظ كعان أورهون الذي يعمل مستشارا في مكتب مكافحة الراديكالية "حياة" الذي يتمسك بمبدأ السرية: ويعمل أورهون مع أشخاص كانت لهم مواقف متطرفة وآخرين ينوون مغادرة المشهد السلفي ومع عائدين من الشرق الأوسط.
"اكتساب النشأ مازال يسير عبر اللقاءات الخاصة والإنترنيت والتواصل يتم عبر واتس آب أو قنوات التلغرام"، يقول أورهون. وهذا يصعب المأمورية على رجال الشرطة وموظفي الاستخبارات للحفاظ على مراقبة هذا المشهد. "السلفية مبنية على التبشير وكسب أعضاء جدد"، يشرح بوركهارت فرايير، مدير جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين وستفاليا. ويفيد أيضا أن التبشير تراجع بقوة، إلا أنه مازال قائما، حتى ولو أن رئيس جهاز الاستخبارات يشدد في حديثه مع DW على "أن الأرقام لم تعد ترتفع بقوة".
السلفي ليس هو السلفي
تطرف عدد كبير من السلفيين في ولاية شمال الراين وستفاليا وسافر كثير منهم إلى منطقة تنظيم "داعش" المنهزم: حوالي 300 من بين نحو 1000 شخصا منهم. ومن الناحية العملية يمكن القول بأن جميع الاعتداءات ومحاولات الاعتداء في السنوات الماضية في ألمانيا ارتكبها أشخاص تشبعوا بأفكار السلفية. وهذا ينطبق على أنيس العامري الذي نفذ في الـ 19 من ديسمبر 2016 اعتداء على سوق عيد الميلاد في وسط برلين أدى إلى مقتل 12 شخصا. وكان ذلك الاعتداء الإسلامي الأكثر دموية إلى حد الآن في ألمانيا.
"بالطبع ليس كل سلفي إرهابيا، لكن كل إرهابي إسلامي كان في السابق سلفيا". وهذه الجملة تتردد دوما في محادثاتنا مع أشخاص مختلفين يهتمون بالمشهد السلفي ـ كموظف مخابرات وكمعلم في المدرسة وكمستشار في مكتب الاندماج في بون التي تُعد وكراً للسلفية في ولاية ولاية شمال الراين وستفاليا . وتُعد السلفية تيارا رجعيا وهي إيديولوجية تدفع بأصحابها إلى التقوقع. ويرفض أتباع السلفية الدستور الألماني وينادون بتطبيق القوانين الشرعية.
وتكشف التقديرات أن نحو 3000 عضواً ينتمون للمشهد السلفي في الولاية الأكبر من حيث عدد السكان، حسب جهاز الاستخبارات في الولاية، بينهم نحو 800 مستعدون لممارسة العنف. و12 في المائة من أتباع السلفية في الولاية من النساء. ومن بين السلفيين الذين سافروا إلى سوريا والعراق تصل نسبة النساء إلى 28 في المائة، ولذلك تخضع النساء السلفيات وأطفالهن لمراقبة الأجهزة الأمنية. وهذا ينطبق بالأخص على الذين عادوا من منطقة "الخلافة" المنهارة، وأطفالهم يذهبون الآن إلى المدارس وروض الأطفال. ويطالب كعان أورهون من مبادرة "حياة" بإقامة بنية تحتية للمساعدة مثل الأخصائيين في علم النفس الخاص بالأطفال قادرين على التعامل مع الصدمات ويراعون جوانب دينية.
وكمندوبة لشؤون الاندماج في مدينة بون تهتم كوليتا مانمان بالعائدين من منطقة "داعش" وأطفالهم:" يجب علينا من جهة منح العائدين فرصة إيجاد مكان داخل المجتمع. لكن يجب علينا أيضا أن نكون منتبهين لكي لا يحاول العائدون العمل على أن يتطرف الشباب والأطفال". وتعود النساء من منطقة تنظيم داعش بمواقف مختلفة، فهناك من تتخلى كليا عن أفكارها السابقة وتريد الاندماج مجددا في المجتمع، وهناك من يواصلن حمل الإيديولوجية السلفية.
التجنيد داخل السجن
بخلاف النساء يكون من الأسهل إثبات الأدلة ضد الرجال العائدين، لأنهم قاتلوا هناك أو ظهروا في فيديوهات دعائية أو أنهم استعرضوا بأفعالهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وعدد أعضاء المشهد الإسلامي المتطرف داخل السجون الألمانية يزداد. وفتح المدعي العام الألماني منذ 2013 تحقيقات بحق 24 من العائدين من منطقة ميليشيا "داعش" من العراق أو سوريا. وجواب الوسط السلفي هو ما يُسمى المساعدة السلفية للمعتقلين. "من منظور الأجهزة الأمنية تمثل هذه الرعاية بالسجناء خطرا كبيرا"، يقول موظف المخابرات بوركهارت فرايير. ورعاية السجناء تعني بشكل ملموس أن المعتقلين يحصلون على زيارات في السجن أو البريد من "إخوة وأخوات" مسلمين. وعبر الانترنيت يتم جمع التبرعات لاقتناء هدايا أو المال لصالح عائلة المعتقل. وكل هذه الأمور لها هدف واحد هو "أن يبقى الأشخاص في الوسط ولا يتم إدماجهم من خلال تجربة السجن في المجتمع"، كما ينتقد بوركهارت فرايير رئيس مكتب حماية الدستور متحدثا ل DW.
إيستر فيلدن/ ماتياس فون هاين/ م.أ.م