وقائع ليلة الاحتفال الكبير بالوحدة الألمانية
٣٠ سبتمبر ٢٠١٠في الليلة التي أضاءت فيها الألعاب النارية مبنى الرايخستاغ في برلين احتفالا بالوحدة الألمانية، احتبست الدموع في عيون الكثير من الأشخاص. إذ باتوا شهوداً على هذا العملية التاريخية التي لم يتوقعها الألمان أو مواطنو الدول الأوروبية الأخرى. وفي ثورة سلمية أسقط مواطنو جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة النظام الاشتراكي وطردوا الحكام من مناصبهم. وفي هذه الثورة لم تُطلق رصاصة واحدة، إذ لم تكن منتهجة العنف. كانت تلك الليلة هي الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر 1990 حيث انضمت جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، وعاد الألمان إلى العيش سوية في دولة واحدة.
وفي تلك الليلة بين الرئيس الألماني آنذاك ريتشارد فون فايتسزيكر العلاقة بين الوحدة الألمانية ووحدة القارة الأوروبية قائلاً: "نحن الألمان على وعي بمسؤولياتنا ونريد أن نخدم سلام هذا العالم في أوروبا موحدة"، وبعد هذه الكلمات أُضيئت السماء بالألعاب النارية.
بدون نوم
ما يزال الرئيس السابق لموظفي المستشارية الألمانية رودولف زايترس يتذكر جيداً تلك الأسابيع الحافلة بالإثارة. وباعتباره مؤتمناً على سر المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول كان حاضراً في الكثير من الأحداث التي سبق ذلك اليوم بعام. قضى زايترس الليلة التي سبقت إعلان الوحدة الألمانية، في البيت الاتحادي، الذي كان آنذاك مقراً لمفوض الحكومة الألمانية في برلين. لكنه لم يتمكن من النوم، وعن ذلك يقول زايترس: "فكرت في مفاوضاتي من أجل الموافقة على سفر اللاجئين في سفاراتنا، وبمشهد وزير الخارجية السابق هانس-ديتريش غينشر واقفاً على شرفة السفارة الألمانية في براغ، وفي كلمتي في مقر مفوض الحكومة الألمانية في برلين بمناسبة سقوط الجدار، فقد كان هيلموت كول في وارسو ومن ثم في الخطاب المهم للغاية الذي ألقاه هيلموت كول أمام كنيسة فراونكيرشه في دريسدن".
323 يوماً مثيراً
ومنذ سقوط جدار برلين مرت حتى ليلة الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر 1990 323 يوماً. وبالنسبة إلى ساسة كلا الدولتين الألمانيتين كانت أياماً حافلة بالمفاوضات الصعبة والقرارات الحاسمة. وبشكل خاص في جمهورية ألمانيا الديمقراطية(المانيا الشرقية سابقا) لم يكن الحال عما كان عليه سابقاً، فقد حول نواب مجلس الشعب المنتخبون في آذار/ مارس 1990 دولة الوحدة الاشتراكية إلى كيان دولة فيدرالية، يمكن أن تتحد ولاياته المكونة حديثاً مع جمهورية ألمانيا الاتحادية في دولة واحدة. إضافة إلى ذلك فقد تم حل أجهزة المراقبة التابعة للدولة وإدخال المارك الألماني الغربي. لكن العجلة، التي كانت تدفع الحكومة الألمانية إلى هذا اليوم، كانت مبررة. إذ أن القارة الأوروبية كانت منذ حركة الإصلاحات في أوروبا الشرقية في حالة غليان، وكان الناس في كل مكان يطالبون بحرية السفر وتغيير النظام السياسي.
انبثقت في كل دول أوروبا الشرقية حركات احتجاج قوية من شعار "الشفافية وإعادة البناء" الذي جاء من الاتحاد السوفيتي وانتشر انتشاراً سريعاً. رودولف زايترس يتذكر ذلك جيداً ويقول: "كان الأمر آنذاك يتعلق بالتوجيه الحذر لعملية لم تبعث الخوف والقلق في موسكو وحدها فقط، وإنما في بلدان أوروبا الغربية أيضاً".
نافذة الحرية
كانت أمنية الوحدة الألمانية تُقابل بالتشكك لدى بعض العواصم الأوروبية، فقد انتشرت في دول وسط القارة الأوروبية مخاوف من ألمانيا موحدة قوية. وفتحت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر جبهة مفتوحة ضد الوحدة، كما أن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران لم يكن هو الآخر صديقاً لألمانيا موحدة.
وحتى في الاتحاد السوفيتي نفسه كانت هذه التطورات في أوروبا تواجه معارضة شديدة، لأن هذه الدولة العظمى السابقة بدأت تفقد تدريجياً تأثيرها على تلك الدول المنخرطة في حلف وارسو والتي كانت تمثل ثقلاً موازناً لحلف شمال الأطلسي "ناتو" وللنظام الرأسمالي. وفي الغرب كانت هناك خشية من حدوث انقلاب ضد ميخائيل غورباتشوف، يمكن أن يغير من الموافقة السوفيتية على الوحدة الألمانية.
الوحدة الألمانية في بؤرة اهتمام السياسة الدولية
كان الحظ من حليف الألمان، لأن الفترة الزمنية المسماة فيما بعد بـ"نافذة على الوحدة" وجدت في عام 1990 فقط. ولم يكن هناك ثمة حدث آخر في السياسة العالمية سلب الاهتمام المسلط على عملية الوحدة الألمانية. ولو حدثت الوحدة الألمانية بعد ذلك بوقت قصير لتغير كل شيء، فقد انصب اهتمام السياسة الدولية على العراق الذي هجم في مطلع آب/ أغسطس 1990 جارته الكويت وجعلها محافظة من محافظاته. وفي منتصف عام 1991 حبس العالم أنفاسه من جديد بعد أن أشترك بعض جنرالات الجيش الأحمر ووحداته في محاولة انقلابية على غورباتشوف. ولو كانت هذه الأحداث قد جرت قبل عام واحد فقط، لأصبحت عملية إعادة توحيد شطري ألمانيا أكثر تعقيداً ولاستمرت لوقت أطول. لكن التطورات التي كانت تحدث في ألمانيا كانت وحدها محط أنظار السياسية الدولية.
يوم للألمان جميعاً
وما أن تمت إزالة جميع بقايا الألعاب النارية، حتى دخل نواب برلماني ألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطية في جلسة مشتركة. وبعد شهرين من ذلك جرت أول انتخابات برلمانية شاملة لكل أرجاء ألمانيا منذ عام 1932. وكان الفائز فيها التحالف المسيحي-الليبرالي بزعامة هيلموت كول.
الكاتب: ما تياس فون هيلفيلد / عماد مبارك غانم
مراجعة: هيثم عبد العظيم