وفاة البابا يوحنا بولِس الثاني
توفي بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني مساء اليوم الثاني من أبريل/نيسان 2005 عن عمر يناهز ال 84 عاماً، بعد إصابته بالتهاب في الجهاز البولي نتج عنه أزمة قلبية. وقد تبوأ السدة البابوية على مدى ربع قرن استطاع خلالها أن يترك بصماته الواضحة على الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وفي التاريخ المسيحي عامة. ويسود العالم المسيحي اليوم حزنا شدسدا على وفاة الشخصية التي تركت آثارا واتخذت مواقف لا يمكن أن تنسى على مر الزمان. وسيتذكره بالطبع اصحاب الديانات الاخرى لمواقفه الشجاعة في كثير من القضايا التي تهم الانسانية جميعا.
الوضح الصحي
لم تكن وفاة الحبر الاعظم مفاجئه، فقد أدخل في الاشهر السابقة مرات عديدة الى المستشفى واجريت له عملية جراحية في القصبة الهوائية. وقد بدى الاعياء عليه واضحا في فترة عيد الفصح حيث لم يتمكن من القاء كلمة بالمتجمعين في ساحة القديس بطرس في روما كما جرت العادة في هذا الوقت من العام، واكتفى بالظهور من نافذة منزله. وكان ذلك مؤشرا على تردي حالته الصحية.
تأثر الوضع الصحي للبابا في الفترة الأخيرة من الأمراض المزمنة التي كان يعانيها، فهو مصاب بمرض الباركينسون (الشلل الرعاش)، كما يعاني من سرطان في الأمعاء، إضافةً إلى آثار الجروح التي خلفتها محاولة اغتياله عام 1981 على يد التركي "علي اتجا"، وأصابه حينها برصاصات عدة أثناء عبوره ساحة القديس بطرس في روما.
حياته
ولد البابا يوحنا بولس الثاني (واسمه الحقيقي كارول فويتيلا) في مدينة كراكاو البولندية عام 1920، وتلقى تربية صارمة شبه عسكرية من والده الذي كان ضابطاً. قرر الدخول سراً إلى المدرسة الاكليريكية، وبدأ بمتابعة الدروس في كلية اللاهوت في جامعة جاجلون. ثم اختار طريق الكهنوت، وأصبح كاهناً في كراكاو. وبعد أن حظي بإجماع الكرادلة عليه بفضل شخصيته القوية وبصيرته النافذة اختير رئيساً للفاتيكان عام 1978، ليصبح أول حبر أعظم غير إيطالي منذ 455 عاماً. يُذكر أن البابا السابق يوحنا بولس الأول توفي بعد 33 يوماً من تنصيبه.
مواقف شجاعة
اظهر البابا يوحنا بولس الثاني تمسكاً بخط محافظ فيما يتعلق بمسائل الأسرة والأخلاقيات، فقد أعلن أن وسائل منع الحمل تعد محرمة، كما عارض البابا أي علاقة جنسية خارج الزواج، معتبراً أن الجنس غرضه الإنجاب والتوالد فحسب. ولقد أثارت آراء البابا سجالات كثيرة في الدول الصناعية المتقدمة. ويُعد عصر البابا يوحنا بولس الثاني من أكثر العصور اهتماماً بالسياسة. واظهر البابا انفتاحاً لا مثيل له في معالجة مشكلات العالم وفتح حواراً مع الإسلام وسائر الديانات غير المسيحية. فهو حاول أن ينتصر على الصراعات التاريخية التي تتحكم بالعلاقات المسيحية - المسيحية والإسلامية – المسيحية، فكان أول بابا يزور العاصمة اليونانية أثينا، منذ الانشقاق الكبير في العام 1954 بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. وهو أيضا أول بابا في التاريخ يدخل مسجداً وجاء ذلك أثناء زيارته إلى سوريا، حيث دخل الجامع الأموي الكبير في دمشق وصلى أمام ضريح يوحنا المعمدان، معرباً بذلك عن تمسكه بحوار الأديان وسعيه إلى التقارب المسيحي - الإسلامي في العالم.
تسامح وتقارب مع كافة الاديان
أصدر البابا يوحنا بولس الثاني وثيقة "لجنة الفاتيكان للعلاقات الدينية" التي تضمنت تبرئة سائر أجيال اليهود من المسؤولية الجماعية عن جريمة صلب السيد المسيح وكان قد سبقه إلى هذه الخطوة البابا بولس السادس (1897 - 1978) الذي قام باسم الكنيسة الكاثوليكية في العام 1965 بتبرئة اليهود من دم المسيح. وفي عام 1986 قام بولس الثاني بزيارة كنيس يهودي في روما لأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وجرت بينه وبين الحاخام الأكبر في الكنيس اليهودي مصافحة اعتبرت الأولى من نوعها بين حبر الكاثوليك الاعظم وحاخام يهودي.
جدير بالذكر أن البابا يوحنا بولس الثاني أبدى معارضةً عنيفة ضد التدخل العسكري الأمريكي في العراق. وبالرغم من وضعه الصحي الضعيف، اظهر البابا العجوز في الازمة العراقية تشدداً وتصميماً مدهشين، يدفعه في ذلك خوفه الكبير من وقوع مواجهة كبرى بين الثقافات ولا سيما بين الأديان. وقبل ذلك قام الفاتيكان بجهود حثيثة لإنهاء محاصرة الجيش الإسرائيلي لكنيسة المهد في بيت لحم عام 2002 إبان اشتداد الانتفاضة الفلسطينية. وكان المئات من المسلحين والمدنيين الفلسطينيين قد لجأوا إلى الكنيسة هرباً من قصف الدبابات الإسرائيلية، وحوصروا داخلها برفقة مجموعة من الرهبان والراهبات.