وجهة نظر: هل مازال اليهود موضع ترحيب في أوروبا؟
٣٠ مارس ٢٠٢١يتم الاحتفال بعيد الفصح اليهودي من 27 مارس/ آذار إلى الرابع من أبريل/ نيسان هذا العام، وهو أحد أهم الأعياد في الديانة اليهودية، إذ يحيي ذكرى تحرير الإسرائيليين من العبودية في مصر. لكن لا يشعر الجميع بأجواء الاحتفال.
اشتكى وزير خارجية الفاتيكان، رئيس الأساقفة بول غالاغر، مؤخراً في مقطع فيديو خلال الجلسة الـ 46 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف من أن وباء كورونا قوض الحق الأساسي في الحرية الدينية. إذ تعارضت بعض تدابير الصحة العامة مع الممارسة الحرة لحقوق الإنسان. وقد تناول غالاغر في حديثه نقطة مؤلمة وتؤثر في الوقت الراهن على جميع الطوائف الدينية تقريباً في جميع أنحاء العالم. فالقيود المتزايدة على الحق الأساسي في ممارسة الحرية الدينية ليست ظاهرة جديدة للأسف.
هذا الاتجاه السلبي كان موجوداً قبل تفشي فيروس كورونا، وقد تعزز بحجة الوباء. الجالية اليهودية في أوروبا قلقة للغاية من هذا الأمر، لأن هذا يضع قابلية بقائها في المستقبل على المحك.
على أوروبا الإصغاء!
بينما لا تزال أوروبا تتخبط في أزمة مستمرة منذ أكثر من عقد وتدور في حلقة مفرغة، متجاهلة شعار "متحدون في التنوع"، كانت الأنظار على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي متجهة صوب القارة من جديد. في الشهر الماضي، عرضت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان، كارا ماكدونالد، في اجتماع لخبراء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) خطة عمل إدارة جو بايدن حول مكافحة معاداة السامية. الخبر السار: كما هو متوقع، ستكثف الإدارة الأمريكية عملها ضد معاداة السامية، كما حددها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست في جميع أنحاء العالم. لكن اللافت للنظر هو تصريحها عن الحياة اليهودية في الوقت الحاضر - وليس في الماضي. وهنا يجب على أوروبا الإصغاء واليقظة.
أكدت المسؤولة الأمريكية أن قابلية بقاء الجاليات اليهودية في عدد من البلدان مهددة اليوم بطريقة مختلفة - من خلال فرض أو التفكير في حظر الممارسات الدينية مثل طقوس الذبح أو ختان الذكور.
حرية الممارسة الدينية
الرسالة كانت موجهة في المقام الأول إلى أوروبا. من جهة تكريس الجهود سياسيا من أجل عدم نسيان الماضي ومن جهة أخرى - وقد أوضحت ماكدونالد ذلك - هو أن تقييد حرية المرء في ممارسة معتقداته ودينه يهدد الحياة اليهودية أكثر بكثير في الوقت الحاضر.
العيش في الحاضر يعني الاعتراف بممارسة الحرية الدينية والعبادة. في ديسمبر/ كانون الأول 2020، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن قرار حظر الذبح على الطريقة الدينية والإنسانية لذبح الحيوانات للاستهلاك، في مقاطعتي فلاندرن ووالونيا في بلكجيا، له ما يبرره بموجب القانون الأوروبي.
لا يضع الحكم قيمة الحياة الحيوانية فوق حياة الإنسان فحسب، بل يعرض الفرص المتاحة للمجتمع اليهودي في بلجيكا لممارسة حياتهم الدينية اليومية بحرية، للخطر. إن القيود المفروضة على الحصول على لحوم حلال (كوشر) وإنتاجها وكذلك حظر ختان الذكور الذي نوقش في دول مثل الدنمارك وفنلندا وأيسلندا تجعل من المستحيل الاستمرار في الحياة اليهودية هناك.
الحظر بدل التنوع!
في الواقع، إن هذا الأمر يرقى إلى مستوى حظر الحياة اليهودية. هل هذا ما يريده المرء في أوروبا من التنوع؟ تعد أوروبا بالحرية للجميعن ولكن يحدث عكس ما يتم التأكيد عليه دائماً.
يؤكد الساسة الأوروبيون على ضرورة تقدير واحترام الحياة اليهودية. لكن كل هذه التصريحات تبدو عديمة الجدوى ومنافقة، خاصة عندما يتم الإدلاء بها في احتفالات الذكرى السنوية مثل اليوم العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست، الذي يتم الاحتفال به في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني. إذا كان الساسة الأوروبيون جادين، فعليهم وقف هذا التشريع المناهض للدين. خصوصا وأن أوروبا هي القارة الوحيدة التي يتم فيها متابعة مثل هذه المبادرات الخطيرة.
يعتبر خطاب كارا ماكدونالد، مهماً لأنه يؤكد على أن التغلب على معاداة السامية لا يعني فقط الاعتراف بالماضي، وإنما خلق فرص للحياة اليهودية مستقبلا أيضا. وهذا النموذج الأمريكي للحفاظ على الحرية الدينية يعتبر نموذجاً رائداً في العالم. يجب على أوروبا أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية ومبادئها بالسماح لسكانها اليهود بممارسة دينهم بحرية.
نريد أن نرى إجراءات شجاعة وإيجابية من الساسة في أوروبا، تحترم وتعزز الحياة الدينية وتوقف النزوح الوشيك الذي يهدد هذه الحياة. ومثل هذا النزوح ليس مبالغة، بل حقيقة الآن. فقد غادر الكثير من اليهود أوطانهم الأوروبية خلال العقد الأخير لأنهم لم يعودوا يشعرون بالترحيب هناك. ويرجع هذا إلى زيادة الاعتداءات على خلفية معاداة السامية، وبالإضافة إلى تقييد حريتهم الدينية.
الحاخام الأكبر ينشاس غولدشميت، هو رئيس مجمع الحاخامات الأوروبيين (CER) منذ عام 2011.