وجهة نظر: لا شيء أسوأ من العنصرية في عالم كرة القدم!
٢٢ يوليو ٢٠١٨مساء الأحد، على الساعة السادسة تقريباً، في ساحة شون دو مارس في باريس، تبث على الشاشة الكبيرة عند برج ايفل، المباراة النهائية لمنافسات كأس العالم. اللحظة الحاسمة اقتربت. الحكم يطلق صافرة النهاية، ليثور بركان من الفرح والاحتفال حول العاصمة. فرنسا أصبحت بطلة العالم لكرة القدم. الناس يصرخون ويقفزون ويعانقون بعضهم البعض. في هذه اللحظات، يظهر التأثير العاطفي الكبير لكرة القدم. لورا، الفتاة الباريسية تهتف بحماس: "إنها لحظة من الغبطة والتفاؤل. إنها لحظة فرح بالنسبة للشعب بأكمله". لورا ترتدي اليوم قميص فريقها الوطني الأزرق، ولا تزال عيناها مبتلتين بدموع الفرح التي تدحرجت على خديها، مطلقة العنان لمشاعرها أمام ميكروفون قناة DW: "إنه أمر رائع! خاض الفريق التجربة بنجاح، لقد كان وحدة متماسكة وأظهر تضامنا غير مسبوق، تحول المنتخب إلى نموذج يحتذى به للبلد بأسره ".
فرنسا كما يمكن أن تكون: متحدة، متساوية وناجحة
ولم تمر سوى بضع لحظات على إطلاق الحكم لصافرة النهاية، حتى عاد النقاش حول أوجه التقاطع بين المنتخب والوطن. منتخب الديكة، مجموعة متناغمة ومتعددة الأعراق، كرمز لبلد هو الآخر متعدد الأجناس وناجح؟! تماما كما حدث في عام 1998، حين فازت فرنسا لأول مرة ببطولة كأس العالم لكرة القدم بفضل فريق مختلط من اللاعبين البيض ومن لاعبين من أصول عرقية أخرى، تطفو هذه المقارنة مجددا على السطح حتى بعد مرور عقدين من الزمن، وهي مقارنة ليست بمحلها.
عشية نهائي كأس العالم ترجم السخط الاجتماعي على شوارع باريس وغيرها من المدن. مشاغبون، كثير منهم ينحدرون من الضواحي، وقسم كبيرمنهم من أصول مهاجرة، قاموا بتخريب المحلات التجارية وأحرقوا السيارات. بعد ذلك ووسط الاحتفالات باللقب يتم تذكير الأمة الكبرى بمشاكلها الاجتماعية الجسيمة وبالتحديد بحقيقة أن الشباب ذوي البشرة السوداء أو أصاحب الأسماء العربية ممن هم خارج تشكيلة المنتخب الفرنسي، لا فرص لديهم للارتقاء بأنفسهم، عكس لاعبي المنتخب الفرنسي الذين هم مثال إشعاعي عن فرنسا كما يمكنها أن تكون: متحدة ومتساوية وناجحة.
مسعود أوزيل.. "كبش فداء"
ماذا يحدث في حال غاب النجاح عن المنتخب؟! إنه الأمر الذي تظهره الحالة الألمانية. المانشافت خرج من الدور الأول بسبب أداء سيء. وبطبيعة الحال لم يساعد مسعود أوزيل نفسه بلقاء الرئيس التركي أردوغان ولا بالتزامه الصمت بعد ذلك. لكن الاهانات العنصرية التي تعرض لها ابن الأسرة التركية المهاجرة والمزداد بمدينة غلزينكريشن، كانت ضربة قوية بحق ألمانيا الليبرالية. هذه الاهانات التي أوضحت جليا بأن العنصرية لم يتم بعد دحرها، سواء من ألمانيا أو من عالم كرة القدم.
مشجعون يحملون شعارات الصليب المعقوف النازي، وآخرون يرمون لاعبين من أصول إفريقية بالموز، بينما يرفض حتى بعض اللاعبين المصافحات الإجبارية مع زملاءهم من الفرق المنافسة لأنهم من أصول أجنبية. كل هذه الظواهر تؤكد على أن العنصرية لا تزال موجودة في كرة القدم متحدية جميع المجهودات وحملات التوعية. "لا تزال المشكلة قائمة، وعلينا فعل المزيد حيال ذلك"، يقول جيرالد أسامواه، مهاجم كرة قدم ألماني معتزل، في منتدى الإعلام العالمي 2018:
اظطر هو أيضا في مسيرته الكروية لسماع الإساءات والهتافات العنصرية، وهو اليوم يحارب التمييز العنصري في كرة القدم، ويقول "لا يوجد شيء أسوأ من التهميش، وألم عدم الانتماء. ولأني أب لثلاثة أطفال، أفعل كل شيء لكي لا يمر ابنائي بما مررت به أنا".
التمييز العنصري في كأس العالم أيضاً
المشكلة هي أن هناك عدد قليل ممن يناضلون من أجل المساواة في كرة القدم. وشهدت نهائيات كأس العالم في روسيا مرة أخرى حالات عنصرية، فقد تعرض البرازيلي فرناندينيو ذو البشرة السمراء للتهديد بالقتل ولإهانات عنصرية على خلفية الهدف الذي سجله بالخطأ في مرمى المنتخب لصالح منافسه البلجيكي في ربع نهائي كأس العالم. كما تعرض أيضاً السويدي جيمي دورماز للإهانة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تسببه في الضربة الحرة التي سجل من خلالها توني كروس هدف الفوز لألمانيا، وتم وصفه بـ"الانتحاري" وهدد بالقتل أيضاً. تظهر الصورة بوضوح عندما ينجح منتخب متنوع الأعراق في الفوز بالألقاب، فيتم الاحتفال بلاعبين على غرار كايليان مبابيه أو بول بوغبا كنجوم كبار، وتصبح قمصانهم الأكثر مبيعاً. ولكن عندما يفشل فريق ما في إحراز الفوز، يصدر عن بعض المشجعين ردود أفعال عنصرية تنهال بسرعة على لاعبين من أصول أجنبية، بل وحتى يتم تهديدهم بالقتل. يحدث هذا في عام 2018. إنها فضيحة أكبر بكثير من خروج مبكر لحامل اللقب العالمي من المونديال.
يوشا فيبر