وجهة نظر: فيديو حرق الكساسبة – أمر مقيت!
٤ فبراير ٢٠١٥قتل الملازم أول طيار معاذ الكساسبة بعد أن أحرقه تنظيم ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" وهو حي. لقد وُضع في قفص وارتقى شهيداً بطريقة لا يتصورها عقل، إذ استمر عذابه 20 دقيقة قبل أن يموت، سبقها عذاب جسدي كان واضحاً على وجهه. لذلك، فإن هذا الحرق العلني، بوحشيته غير المعقولة والجديدة، لا يمكن وصفه بأكثر من كونه مقيتاً وكريهاً وبشعاً. إنه يتلاعب بأدنى الغرائز البشرية ويصعّد من الإرهاب والوحشية.
بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" وحشيته بالعبودية والتهجير والعنف والاغتصاب والقتل وتدمير قرى بأكملها، من إيزيديين ومسيحيين وأتباع الأديان والطوائف الأخرى، ومن ثم أتبعها بقطع الرؤوس علناً، وآخرها الحرق علناً. فما الذي ستتفتق عنه أذهان من يسمون أنفسهم بـ"المجاهدين" بعد ذلك؟ ما الذي سيقومون به وهم في نشوة سلطتهم القمعية؟ هل هناك أكثر من مقاطع الفيديو الممثلة بدقة وبتبجيل للإرهاب بزعم "العودة إلى جذور الإسلام الحقيقي الطاهر والأصلي"؟
إن "داعش" يتحدى الجميع الآن، بدءاً بالدول التي ينشط فيها، أي سوريا والعراق، ومن ثم جيران تلك الدول، من الأردن إلى تركيا وحتى إيران، إلى المنطقة بأكملها، سواءاً كانت السعودية أو مصر، وانتهاءاً بالعالم كله، من الاتحاد الأوروبي مروراً بالولايات المتحدة الأمريكية ووصولاً إلى روسيا، التي يتهددها خطر الإرهاب.
الأمر لا يتعلق بغارات جوية ناجحة ولا بدعم قوات البيشمركة الكردية بالأسلحة. كما أن الأمر لا يتعلق بحق اللجوء المفروغ منه لمئات الآلاف، بل ولملايين اللاجئين. ولم يعد الأمر متعلقاً، للأسف الشديد، بمصير الطاغية السوري بشار الأسد السياسي.
لقد بات الأمر منصباً على تدمير "داعش" عسكرياً كما حصل للحشاشين قبل 800 عام. الأمر أصبح متعلقاً بحملة عسكرية وبالاستجابة للتحدي المتمثل في الانتصار على "داعش"، حتى وإن كان مقتل (أبي بكر) البغدادي ومن يحيطون به سيعني حلول آخرين محله. أما الخطوة الثانية فهي تتمثل في تجفيف منابع الافتتان المجتمعي والسياسي بالجهاد العنيف.
لكن هذه ستكون خطوة صعبة في شرق أوسط تنهار دوله بشكل تدريجي، من اليمن إلى ليبيا، إضافة إلى أطراف الغرب التي بدأت تشتعل إيديولوجياً، ووصولاً إلى القوقاز. لكن هذه المهمة يجب أن تتولاها المجتمعات العربية أولاً، إذ يجب عليها أن تقرر ما إذا كانت تريد شرق أوسط متعدد الثقافات والأديان أو أنها تفضل الغرق في مستنقع التعصب الإسلاموي.
إن رد فعل الأردن، المتمثل بإعدام كل من ساجدة الريشاوي وعضو تنظيم القاعدة زياد الكربولي، قد يلقى قبولاً على أنه انتقام لمقتل الكساسبة، وقد يكون قد جاء تلبية لمتطلبات المجتمع العشائري البدوي في المملكة الهاشمية. لكن ذلك شيء يعود إلى الأزمنة الغابرة ولا يعبر عن سيادة القانون. وإذا كان ذلك قد يؤدي مؤقتاً إلى تعزيز الصف الداخلي، فإنه سيساهم على الأغلب في توسيع دوامة العنف.