وجهة نظر: على ألمانيا ألا تسكت على التجسس الأمريكي
١٠ يوليو ٢٠١٥ما هو ممكن تقنياً يتم فعله دون مراعاة لـ "الصداقات" والتحالفات. وبالنظر إلى ما نشره موقع ويكيليكس مؤخرا بات ينبغي على كل شخص في ألمانيا أن يتذكر ما جاء على لسان شارل ديغول حين قال: " لا توجد صداقة بين الدول وإنما مصالح فقط". يبدو أن الولايات المتحدة تعتقد على الأرجح أن من مصلحتها مراقبة مركز السلطة في ألمانيا على مدى عقود من الزمن، ولحظة بلحظة. فقائمة البيانات، المنشورة الآن والمأخوذة من 56 خط اتصال تتعلق حصريا بمكتب المستشارية الألمانية. كما أن اهتمام الأمريكيين انصبّ على مراكز الاتصالات الخاصة بالمستشارة أنغيلا ميركل والمستشارين السابقين غيرهارد شرودر وهيلموت كول، سواء في العاصمة السابقة بون أو الحالية برلين.
ومع ما تم الكشف عنه الأسبوع الماضي أصبحنا نعلم حتى الآن ما مجموعه 125 خط اتصال، تم التجسس عليها على مدى عقود. لكن هذا ليس سوى جزء صغير من خطوط الاتصال التي تم التجسس عليها بمساعدة جهاز المخابرات الخارجية الألمانية انطلاقا من مدينة باد أيبلينغ الألمانية. فعددها أكبر بـ 300 مرة ويصل إلى 40000! ورغم ذلك فإن مكتب المستشارية نفسه، الذي تم التنصت عليه، يُبقي هذه القائمة طي الكتمان ويتكتم عليها مراعاةً للولايات المتحدة. ولا يحق إلا للقاضي الإداري السابق المتقاعد كورت غراوليش الاطلاع عليها وتدقيقها كي يقدم بخصوصها تقريرا إلى البرلمان الألماني في الخريف المقبل.
الحكومة الألمانية لا ترغب في فتح تحقيق
قبل نحو شهر واحد فقط أوقف النائب العام الاتحادي الألماني هارالد رانغِه التحقيقات المتعلقة بالتنصت على الهاتف المحمول الخاص بالمستشارة ميركل. فالوثائق المقدمة، التي اطلع عليها رانغه، لم تكن كافية لرفع دعوى قضائية. وهنا يجب معرفة أن المدعي العام ليس مستقلا، إذ إنه ملتزم بتعليمات وزير العدل.
فضلا عن ذلك فإن الحكومة الألمانية لا تعطي أي انطباع برغبتها في الضغط والعمل ضد الأنشطة التجسسية الأمريكية الممارَسة عليها، بل يتم التستر على المعلومات وإخفاؤها من قِبَل أعلى المستويات في الدولة الألمانية، مراعاةً للحليف والشريك الأمريكي القوي. لكن هذا التصرف لا يبدو كتصرف دولة ذات سيادة. ناهيك عن الرأي العام والوسط السياسي الألمانيين اللذين يسيران، نظرا للبحث التقني الواسع، على طريق واحد مباشر يبتدئ بالمخاوف الغامضة ويعبُر باليقين ويمر بالفزع والغضب وينتهي بالتراجع واللامبالاة.
التجسس يبقى تجسسا
ولكن ليس من صغائر الأمور أن تلقي قوة أجنبية شبكة مراقبة تقنية كثيفة على بلد بأكمله. وهنا لا تنفع التصريحات التي يصدقها السُّذَّج وطيّبو النية كتلك التي أطلقها نيد برايس، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، حين قال: "ما كان للمراقبة في الخارج أن يكون لها أساس من وجود، لو لم توجد مصالح متعلقة بها تخص الأمن القومي". فهذه المصالح الأمنية القومية يتم تفسيرها بشكل واسع النطاق للغاية، كما أنها ومنذ وقت طويل لا تخدم"الحرب على الإرهاب" فقط، والتي يتم استحضارها كثيرا.
ويَظهر هذا بوضوح شديد بالعودة والنظر إلى المدى الزمني للتنصت. ففي يونيو/ حزيران عام 2001، أي قبل ثلاثة أشهر من أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، نشر البرلمان الأوروبي تقريرا عن برنامج التنصت الأمريكي المسمى إيكيلون. والاستنتاج الذي كان في ذلك الحين، وما زال حتى اليوم قائما، هو أن: الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم مهاراتها التجسسية في خدمة مصالحها الاقتصادية. وقد تضمن التقرير أمثلة ملموسة عن التجسس في المجال الصناعي، وذكر أن حكومة الولايات المتحدة ومنذ عام 1990 "تساوي على نحو متزايد بين الأمن الاقتصادي والأمن القومي".
من المناسب إرسال إشارة قوية
إذَن فالصحيح هو أن التجسس قد حدث دائما. ولكن يجب على ألمانيا ألا تقف متفرّجةً مكتوفة الأيدي، وألا تسمح باستغبائها كما فعل البريطانيون عام 2001 حين فسروا، بعد طلب ألماني، وضع رادار على شكل قبة فوق سطح سفارتهم في برلين بأنه عائد إلى "اعتبارات فنية". توجد في القانون الجنائي الألماني المادة رقم 99، التي تنص على معاقبة وظيفة العمالة الاستخباراتية. وينبغي ألا تطبق هذه المادة على عملاء روسيا والصين وإيران فقط، بل ينبغي كذلك تطبيقها على عملاء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أيضا. بإمكان ألمانيا إرسال إشارات إلى الولايات المتحدة أقوى من مجرد استدعاء السفير الأمريكي إلى مكتب المستشارية. وكإشارة قوية فعلا سيكون مثلا، منح ألمانيا حق اللجوء لِـ إدوارد سنودن.