وجهة نظر: طريق الحرير الصيني الجديد ليس معبداً
٨ مايو ٢٠٢١هناك بعض التصدعات بدأت تظهر في طريق الحرير الجديد والمعروف باسم مبادرة الحزام والطريق. تم تدشين هذا المشروع في عام 2015 كمشروع رئيسي للسياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ، وقد حصل على ترحيب كبير من دول ترغب في الاستفادة من العولمة الصينية.
ومنذ ذلك الوقت، تشدد الموقف تجاه الصين خاصة في العديد من الدول الديمقراطية. فقد أدى ما كُشف عنه من احتجاز قرابة مليون من الإيغور في معسكرات إعادة التأهيل وتقارير عن العمل القسري في شينجيانغ وتساؤلات خطيرة حيال تعامل الصين مع فيروس كورونا وأصوله، فضلا عن تقويض بكين للديمقراطية في هونج كونج، إلى فتور الحماس الدولي لمشروع شي جين بينغ.
وق أضحت الدول الغربية أكثر جرأة على هذا الصعيد في ضوء استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن بعد سنوات من الفوضى والانقسام خلال حقبة سلفه دونالد ترامب. وتشير إدارة بايدن إلى تزايد عدوانية الصين وتسعى إلى تشكيل تحالف مع أوروبا وحلفائها التقليديين الأخرين.
وفي مسار التراجع عن الصين تأتي في المقدمة أستراليا حيث أعلن رئيس وزرائها سكوت موريسون أنه لا يعتقد أن طريق الحديد الجديد "يتسق مع مصلحة استراليا الوطنية". وقد تراجعت العلاقات بين كانبيرا وشريكها التجاري الأكبر بكين منذ دعوة سكوت إلى السماح بدخول محققين مستقلين إلى مدينة وهان الصينية للتحقيق في أصل فيروس كورونا.
ورغم اتفاق التجارة الحرة واتفاقيات أخرى للتجارة الحرة، فقد فرضت الصين عقوبات تجارية على السلع الاسترالية مثل الفحم والنبيذ والشعير. من جانبها، تقوم أستراليا بمراجعة قرارها حيال ما إذا كانت ستُرغم شركة "لاندبريدغ" الصينية على بيع عقد استئجار ميناء داروين الاستراتيجي الهام والذي تستخدمه القوات الأمريكية، في خطوة تشير إلى تزايد التوتر مع بكين.
وهناك أيضا لهجة مماثلة قادمة من نيوزيلندا التي تجاور أستراليا إذ تحدثت رئيسة الوزراء النيوزيلاندية جاسيندا أرديرن عن أن الخلافات مع بكين في قضايا منهجية وصلت إلى مستوى يصعب فيه التوافق.
استمرار استرضاء الصين
وعندما يأتي التعامل مع قيادة الحزب الشيوعي المستبدة في بكين، فقد اعتاد زعماء العالم ورؤساء الشركات على البراعة اللفظية أو التزام الصمت. وأصبح تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الاستمرار في استرضاء الصين بسبب قوتها الاقتصادية والحفاظ على الالتزام بالقيم والمبادئ الديمقراطية، تحديا جيوسياسيا رئيسيا. وبدلا من الانصياع للمطالب الصينية بشكل مستمر، فإن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى أن يدرك أنه يمتلك قوة هائلة في التنافسية والابتكار.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي إذ بلغ حجم التجارة الإجمالي 686 مليار دولار ما يوازي 570 مليار يورو خلال عام 2020. وفي ديسمبر / كانون الأول، قادت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل التكتل الأوروبي للتوقيع على الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين. وتبدو هذه الاتفاقية هامة بالنسبة لميركل كأهمية مشروع طريق الحرير بالنسبة للرئيس الصيني.
وربما احتل هذا صدارة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن في الوقت الحالي، أدى ما كُشف عنه في شينجيانغ والقمع المتزايد في هونج كونج، إلى تدهور هذه العلاقات. فمنذ ذلك الحين، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات منسقة ضد أربعة مسؤولين صينيين بشأن معسكرات اعتقال الإيغور. وردت الصين بسرعة على هذا الإجراء، مستهدفة عشرة أفراد بينهم الباحث الألماني أدريان زينز الذي لعب دورا رئيسيا في لفت الانتباه إلى معسكرات الاعتقال في شينجيانغ.
أوروبا ضد الاستحواذ
وفي مقدمة كل هذا ما نجم عن وباء كوفيد-19 من تدمير للاقتصاديات وخفض تقييم الأسهم للشركات الأوروبية، ما جعلها عرضة للاستحواذ من قبل الصين. وفي ظل هذا الأمر، فقد اقدمت الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي كفرنسا وإيطاليا وألمانيا، على اتخاذ مواقف إذ عززت سلطاتها منع عمليات الاستحواذ للأصول الأوروبية الثمينة من خارج التكتل الاوروبي.
ففي عام 2019، أثارت إيطاليا ذعرا عندما أصبحت أول دولة في مجموعة السبع تدعم بحماس مبادرة الحزام والطريق. لكن منذ ذلك الحين، غيرت حكومة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي مسارها من خلال منع عمليات استحواذ صينية لشركات إيطالية كان أخرها بيع وحدة الحافلات والشاحنات في شركة "إيفيكو" ومقرها مدينة تورينو الإيطالية إلى شركة "فاو" الصينية. ورغم هذا التراجع، يعتقد العديد من الخبراء أن هذه الجهود في حاجة إلى أن يتم تنسيقها بشكل أفضل وأن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى أن يتبنى استراتيجية أقوى إزاء المشاريع الصينية التي تنفذ في الفناء الخلفي لأوروبا.
وكان أسلوب أنغيلا ميركل يتمثل في تكرار دعوات مألوفة لإجراء حوار حيال قضايا حقوق الإنسان. ولطالما كانت الحكمة المقبولة تقوم على أن الصناعة الألمانية تنشط في مناطق خالية من القيم ويتم التركيز في هذا السياق على الحد الأدنى وتكرار شعار أن "التغيير يمر خلال التجارة". بيد أن الشركات الألمانية تدرك أيضا أن الواقع السياسي والاقتصادي آخذ في التغيير في الصين خاصة وأن الآمال في أن تصبح الصين أكثر ليبرالية وشريكا عالميا أفضل، قد باءت بالفشل.
خطوة الخضر المستقبلة؟
إن التحول الكبير لم يأت بعد لكنه سيحدث عندما تتنحى ميركل.وأظهرت استطلاعات الرأي في ألمانيا أن حزب الخضر يسير في طريق أن يلعب دورا كبيرا في الحكومة عقب الانتخابات التي ستجرى في سبتمبر / أيلول المقبل. وقد اتخذت أنالينا بيربوك مرشحة حزب الخضر لمنصب مستشارية ألمانيا، موقفا أكثر صرامة واتهمت ميركل بتبني نهج سلبي تجاه الصين.
ويتعين ان تكون لقضايا حقوق الإنسان دورا في العلاقات الأوروبية مع الصين. وسيحمل الرضوخ للضغوط من الحزب الشيوعي، أثارا كارثية طويلة الأمد على الشركات الأوروبية، فكيف يمكن لهذه الشركات أن تنافس مثيلتها الصينية إذا استخدمت الأخيرة العمالة القسرية في مصانع القطن وتصنيع السيارات مع الحصول على إعانات حكومية هائلة، وإذا استخدمت التكنولوجيا المنقولة من كبرى العلامات التجارية الغربية؟
يتعين على الشركات الأوروبية أن تتذكر كيفية الالتزام بقواعدها التي تُعتبر أيضا معايير عالمية خاصة، لاسيما وأن الإصلاحات البطيئة تشكل مع نقص تكافؤ الفرص، تهديدا خطيرا على قدرة هذه الشركات في القيام بنشاط تجاري في الصين.
إن الصين في حاجة إلى تحقيق اصلاحات كي تصبح لاعبا دوليا أفضل إذا ارادت المنافسة بغض النظر عن مدى اتساع السوق وجاذبيته.
كليفورد كونان