حتى قبل بدء الزيارة الأولى للمستشار الألماني، أولاف شولتس، إلى منطقة الخليج، حاولت الحكومة الألمانية جاهدة الحد من سقف التوقعات بشأن نتائج هذه الزيارة. لم تشأ الدوائر الحكومية في برلين، أن تكون زيارة المستشار الألماني للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك قطر، البؤرة الجديدة لسياسة الطاقة العالمية، "مجرد جولة تسوق للطاقة".
غير أن هذا الحذر المبرر لا يمكن أن يخفي حقيقة أن الحكومة الألمانية تتعرض لضغوط هائلة من أجل تحقيق النجاح. لأن الاقتصاد الألماني بحاجة ماسة إلى بدائل يُعتمد عليها ورخيصة لواردات الغاز والنفط من روسيا، والتي توقفت بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا. دول الخليج تمتلك هذه الموارد، ويدرك أمراؤها الشباب الأهمية المتزايدة والمفاجئة لهذه الموارد، وهو ما يزيدهم ثقة بأنفسهم.
بؤرة جديدة للسياسة العالمية
هذا الوعي الجديد لا يجسده الآن أي رجل دولة في الشرقين الأدنى والأوسط كما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. الحاكم الفعلي الوحيد في الرياض يشعر بإعادة الاعتبار بعد سنوات من العزلة والنبذ الدوليين، بعدما حملته المخابرات الأمريكية والتركية مسؤولية جريمة القتل الشنيعة للصحافي السعودي المعروف، جمال خاشقجي.
لكن في ضوء الحقائق الجيوسياسية الجديدة مع حرب أوكرانيا، ربما لا يتعلق الأمر بالاعتراف الشخصي فقط بالنسبة لمحمد بن سلمان العارف بالسلطة والحاكم المستبد غير المبالي، وإنما أكثر من ذلك، بأن تؤخذ السعودية تحت قيادته على محمل الجد باعتبارها قوة رائدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
بالمناسبة، أصبح ولي العهد السعودي رجل الدولة المرغوب فيه على الساحة الدولية، وتُظهر ذلك الزيارات العديدة التي قام بها سياسة غربيون إلى الرياض. فقد قام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون بزيارة "قلب الإسلام" هذا العام. كما استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، محمد بن سلمان في قصر الإليزيه في يوليو/ تموز الماضي.
لذلك من المهم أن تنهي مصافحة الأمس، بين شولتس ومحمد بن سلمان، أيضاً فترة جمود العلاقات بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية. تعتمد ألمانيا حالياً على علاقة عمل قوية وفاعلة مع الرياض. لكن الإشارة إلى أن المرء يقابل شركاء صعبين في الخليجغير مقنعة كلياً، لأنه في الحقيقة لم يكن المستبدون شركاء بسيطين أبدا.
سياسة جديدة تجاه الخليج
لا شك في أن الحكومة الألمانية ترغب في تطوير التعاون في مجال الطاقة مع الرياض وأبو ظبي والدوحة، وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل. الهدف محدد بوضوح: الاستمرار في تنويع مصادر إمدادات الطاقة الألمانية وتجنب الاعتماد على شريك واحد. وهذا درس مؤلم ولكنه ضروري تعلمه من السياسة الفاشلة تجاه روسيا خلال العشرين سنة الماضية.
غير أن الاعتراف بهذه الضرورة لا يكفي من أجل تقديم إجابات مقنعة وقبل كل شيء مستدامة لتحديات سياسة الطاقة في المستقبل القريب. لكن من الضروري صياغة سياسة ألمانية جديدة تجاه الخليج. الكلمة السحرية هنا واضحة: التنويع. في النهاية ليست ألمانيا وحدها من يبحث عن شريك، وإنما أيضاً كل دول الخليج، وعلى رأسها السعودية ذات الثقل الكبير.
وبالتحديد من هنا يجب أن تبدأ سياسة ألمانيا الجديدة تجاه دول الخليج: تحتاج جميع دول الخليج إلى الخبرة الألمانية، ليس من أجل تنويع أنظمتها الإقتصادية فقط، بل أيضاً لأنها بحاجة إلى التقنيات الغربية لتحقيق مشاريع التحديث العملاقة. وربما ينبغي على السياسة الألمانية الاعتراف الواضح بأن لها مصالح اقتصادية خاصة في منطقة الخليج على غرار غالبية الدول الغربية. وهذا لا يجب بالضرورة أن يتعارض مع الجهود الألمانية الساعية للبحث عن المصالح المشتركة و"التزام ألمانيا بنظام عالمي قائم على القواعد". وهذا يمنح السياسة الألمانية في الخليج مصداقية أكبر من مجرد التشدق بالخطابات المعتادة حول أولوية حقوق الإنسان في عواصم أوروبا.
لؤي المدهون