وجهة نظر: خدوش في وجه ألمانيا "الطيب"
٦ نوفمبر ٢٠١٥من الجيد أنهم لم يقرروا بناء جدران أو سياجات يحرسها رجال الأمن، ويجب أن ينتظر خلفها آلاف اللاجئين "في مناطق العبور" قرار ترحيلهم. مناطق العبور هذه والانتظار داخلها دون الحصول على إذن قانوني بدخول الأراضي الألمانية، جاءت كاقتراح من الحزب المسيحي الاجتماعي الشريك في الائتلاف الحاكم، وهو الحزب الحاكم في ولاية بافاريا. وهي ليست سوى محاولة يائسة، للتخلص سريعاً من القادمين "الذين ليس لديهم أمل بالبقاء" في الولاية المكتظة باللاجئين. لكن مثل هذه المعسكرات – حتى لو كانت مختلفة عن معتقل غوانتانامو ومعسكرات الاعتقال النازية – ليست مثيرة للجدل القانوني فحسب، وإنما لا تتناسب مع عصرنا الحديث.
على أي حال نجح الحزب المسيحي الاجتماعي في فرض مبتغاه لتنظيم وتوجيه تدفق اللاجئين نحو ولاية بافاريا والسيطرة عليه بشكل أفضل.
وعوضاً عن "مناطق العبور" باتت توجد الآن "منشآت استقبال خاصة"، حيث تسير عملية تسجيل اللاجئين والتحقق منهم بشكل أسرع. ويمكن للاجئ التحرك بحرية، لكن ضمن دائرة المقاطعة فقط. وهذان شرطان أساسيان للنظر في طلب لجوئه ومنحه الخدمات الاجتماعية. ويمكن رغم ذلك أن يمتنع القادمون –وقد يكون العدد كبيراً- عن هذا الإجراء ويختفون، لأنهم يعلمون أن فرص الاعتراف بلجوئهم ضئيلة، فقد دخل الآلاف منهم خلال الأسابيع الماضية إلى ألمانيا بدون تسجيل. وما هي إلا مسألة وقت فحسب حتى تتضح كيفية التعامل معهم.
إسبانيا مثلا تقوم -ومنذ عقود- بتنظيم أمور آلاف الأشخاص المتواجدين على أرضها بدون أوراق قانونية، والذين اندمجوا في مجتمعها رغم ذلك، فتمنحهم الإقامة القانونية.
توافق حكيم ليس أكثر
إذن توافق الائتلاف الحاكم بعقلانية على مناطق العبور بعد الخلاف، الذي وصفه رئيس الحزب الاشتراكي الألماني زيغمار غابرييل نفسه مؤخراً بـ"السخيف". لكن على الرغم من ذلك ليس أمام الائتلاف سبب للتباهي بقدرته على التصرف، فبينما يُنتظر في كل مكان المزيد من السرعة في رعاية طالبي اللجوء وإيوائهم والنظر في طلبات لجوئهم، وفي ترحيل طالبي اللجوء الذين لا يحق لهم البقاء، كان زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي زيهوفر والمستشارة ميركل ورئيس الحزب الاشتراكي غابرييل على وشك أن يخسروا المشاحنات المعتادة داخل صفوف أحزابهم.
ولسبب آخر أيضاً، لا يحق لزعماء الائتلاف أن يثنوا على أنفسهم. إذ حتى لو سارت عملية تسجيل اللاجئين بشكل أفضل وعمليات الترحيل بشكل أسرع، فلا يمكن مجاراة سرعة تيار الهاربين إلى ألمانيا. وذلك لأن تركيب تيار اللاجئين يتغير. تتناقص أعداد القادمين مما يُسمى بالبلدان الآمنة في منطقة غرب البلقان، الذين يُراد إعادتهم إلى بلدانهم بأسرع وقت ممكن، بينما تزاد أعداد القادمين من أفغانستان بمعدل نحو 2000 يومياً، إلى جانب الكثير من الهاربين من سوريا الممزقة بالحرب، ومن العراق وإيران وإريتريا؛ كلها دول غير آمنة، كما توضح النسب المرتفعة للأشخاص المعترف بهم كلاجئين في ألمانيا، وفقا للأرقام الصادرة عن المكتب الاتحادي للهجرة.
لا تعيدوا الأفغان إلى بلدهم
لكن هذا لا يمنع الحكومة الألمانية من تغيير "ممارسات اتخاذ القرار" بشكل مفاجئ، لإعادة الأفغان -الذين تمتعوا حتى الآن بالحماية من الترحيل- إلى بلدهم. كما لو أن الوضع قد تحسن كثيراً، وكما لو أن إرهاب طالبان اليومي قد توقف.
في أفغانستان، يتوجب الآن على الجيش الألماني نفسه إقامة "مناطق حماية" كي يبقى الأفغان في بلدهم. وفي ضوء النجاحات القليلة نحو استقرار البلد خلال السنوات الماضية، يبدو هذا الأمر متهوراً.
إن كل ذلك علامة على الحيرة ويتنافى مع المبدأ الذي أعلنته المستشارة ميركل ويُمنح بموجبه الملاحقون سياسياً حق اللجوء دون أي سقف عددي. وبوجه هذه الحيرة ستثور المعارضة ومنظمات الإغاثة. ويبقى من غير المؤكد ما إذا كانت الفكرة التي يبدو أن رئيس الحزب الاشتراكي غابرييل وافق عليها، ستكون مقبولة أيضاً في صفوف حزبه. من خلال الواقع المرّ تزداد الشروخ في "الوجه الطيب" لثقافة الترحيب الألمانية.