وجهة نظر: ترامب يذل الفلسطينيين
٢٩ يناير ٢٠٢٠لقد ظل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين دون حل لعدة عقود. لا الحروب ولا الهجمات أو الانتفاضات الشعبية، ولا حتى المبادرات الدولية أو اتفاقات السلام أو قرارات الأمم المتحدة نجحت في إحداث أي تغيير في جوهر النزاع. هناك انعدام ثقة كبير، فضلا عن انعدام الرغبة أو القدرة لتقديم أي تنازلات تاريخية لدى طرفي النزاع.
كان ممكنا أن تكون بواعث أمل لحلحة الوضع لو جاءت هذه الخطوة من رئيس أمريكي يحمل رؤية سلام سياسي مقنعة انطلاقا من واشنطن ليعرضها على خشبة المسرح السياسي الشرق الأوسطي مرسلا الإشارة التالية: لقد وصلنا للأسف إلى طريق مسدود، لذا سنحاول الآن من خلال طرح أفكار جديدة سلك طريق جديد لم نسلكه من قبل.
المذلة عوض الصفقة
لكن دونالد ترامب هو رئيس غير معروف عنه بالضرورة التحلي برؤى سلام سياسي. وليس لديه أي أفكار أو حلول جديدة لمشاكل الشرق الأوسط. بل العكس من ذلك، فإن خطته للسلام المعلنة "كصفقة القرن" ليست "صفقة" بمعنى حل وسط متفاوض عليه بشكل مرير بين طرفين متكافئين. إنها بوضوح محاولة لفرض إملاء سياسي.
فالخطة تراعي ـ مع بعض القيود الرمزية ـ مصالح إسرائيل الأمنية بطريقة أحادية الجانب وسخية للغاية. في حين أن الفلسطينيين لم يشاركوا حتى في بلورة الخطة وهم بالتأكيد الخاسر الأبرز فيها، حيث يخاطرون من خلال عمليات الضم بفقدان مناطق محتلة أو مأهولة إسرائيليا لهم الحق فيها بحسب القانون الدولي.
ورغم أنه من المفترض أن يسمح للفلسطينيين بالحصول على دولة خاصة بهم، إلا أنها يجب أن تكون منزوعة السلاح تماما وخاضعة بشكل صارم للمصالح الأمنية الإسرائيلية. أما القدس، فيجب أن تبقى إلى الأبد، كما أقر ترامب من جانب واحد عام 2017، عاصمة إسرائيل "غير المجزأة". وفي نفس الوقت، وفيما يشبه جائزة ترضية، يمكن للفلسطينيين أن يتخذوا مستقبلا بعض الأجزاء التي يسكنها عرب في شرق المدينة كـ"عاصمة" لهم.
ويقول ترامب بأن خطته قد تكون ربما "الفرصة الأخيرة" للفلسطينيين. وكأن لسان حاله يقول "وافقوا أو ارفضوا، لكن لن تحصلوا مني على فرصة أخرى". وبهذه الطريقة لا يمكن أن تنشأ دولتان متساويتان في الحقوق. فما يمكن أن يمنحه ترامب للفلسطينيين هو دولة مقابل نصف دولة.
إطلاق يد إسرائيل
هذه المقاربة السياسية ليست فقط غير أخلاقية ومذلة، لأنه في نزاع بين طرفين يتم فقط مساعدة الجانب القوي على نيل "حقه". بل إن "خطة سلام" ترامب خطيرة أيضا، لأنها تترك عمليا المجال مفتوحا لإسرائيل على أساس "صفقة" مفترضة لضم مناطق فلسطينية إضافية.
وهذا كله يصب في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لأنه لم يسبق لرئيس حكومة إسرائيلي أن انتزع تنازلات من واشنطن أكبر من هذه، مما يمنحه نقاطا إضافية في حملته الانتخابية ويزيح اتهامات الفساد ضده من الواجهة ولو إلى حين.
من الجانب العربي الإسلامي يتوقع حصول احتجاجات قوية بالرغم من أن الكثير منها يبقى تضامنا أجوف. ويمكن للقوى المتطرفة أن تبتهج، لأن الخطة تمنحهم ذريعة جديدة مناسبة لممارسة الإرهاب والعنف. وهذا كله للأسف بدون شك لن يجعل الشرق الأوسط أكثر أمانا، بما في ذلك إسرائيل.
راينر زوليش