وجهة نظر: النظام المصري... يبرئ نفسه!
٢٩ نوفمبر ٢٠١٤لأكثر من ثلاثين عاما فاز حسني مبارك في انتخابات صورية. ولأكثر من ثلاثين عاما دعم الجيش المصري صاحب النفوذ القوي في البلاد نظام مبارك، الذي خرج من بين صفوفه رئيسا، ليحافظ على سلطته وبالتالي لتبقى أكبر دولة عربية وأعقدها حكما في وضع سياسي مستقر، "ظاهريا" على الأقل.
ولكن، وبعد أن هزمت موجة "الربيع العربي" أركان نظام مبارك، اضطر الجيش إلى سحب الولاء من صاحب الحظوة لديه والذي أصبح في غضون ذلك من المغضوب عليهم، ليضع الجيش نفسه في مقدمة حركة تغيير، لم تشكل منعطفا حقيقيا في البلاد. نفس الشيء حدث لاحقا مرة أخرى، عندما أُسقط الرئيس محمد مرسي، إذ أمّن جنرالات الجيش سلطتهم السياسية وحافظوا على مصالحهم الاقتصادية.
كبش فداء متواضع
شكل مبارك آنذاك "كبش فداء" متواضع بالنسبة للجيش، فقد تم تركيز غضب الشعب عليه كي يتم حماية سلطة الجماعات الحاكمة من الجيش ومن بعض العائلات المتنفذة اقتصاديا. فنظام مبارك بات مكروها لدى شرائح واسعة من المصريين. نظام مبارك رد بكل قساوة وتعسف وترهيب ممنهج على مطالب واحتجاجات المواطنين ضد الفساد المنتشر في البلاد وضد الظلم. فيما كان النظام يتمتع بكل أشكال الدعم الرسمي من قبل السياسيين الغربيين، بل أكثر من ذلك، فالغرب كان يعتبر نظام مبارك الشريك الضامن للاستقرار في المنطقة.
والآن؟ الحكم على مبارك بالبراءة! رغم أن الديكتاتور السابق يتحمل مسؤولية مقتل حوالي 800 شخص، وفق وجهة نظر المعارضين له. 800 شخص لقوا حتفهم بكل بشاعة في الأسابيع الأخيرة من حكم مبارك. ويبدو أن ذوي القتلى لن ينالوا العدالة المنشودة. ولا يتوقع أن تنصفهم العدالة بشيء بعد اليوم، لا في الظروف الحالية ولا تحت وصاية النظام الحالي.
لا مصلحة لأحد في التعامل مع الماضي
النظام الحالي في مصر يغلق ملفات مرحلة نظام مبارك وينهي هذه القضية وإلى الأبد. فلا أحد من القوى الحاكمة حاليا له مصلحة فعلا في استمرار التعاطي مع هذه الملفات. فالقوى الحاكمة اليوم في مصر هي نفسها التي دعمت نظام مبارك لعقود طويلة.
وفي الحقيقة فإن محاولة النظام الحالي حماية رموز النظام السابق من صدور أحكام قاسية بحقهم، لا تشكل سوى محاولة رمزية لتبرئة نفسه. فقائد النظام الحالي، عبدالفتاح السيسي، جاء إلى السلطة، مثل مبارك، من صفوف الجيش، كما فاز بمنصب الرئاسة في انتخابات مثيرة للاستغراب، كما كان الحال في عهد مبارك. وليس ذلك فحسب، بل أن السيسي وفي خضم مكافحة الإرهاب مارس العنف والاضطهاد، وبذلك يواصل السير على نهج النظام السابق. فاستنادا إلى معطيات منظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من المصادر الموثوقة، فإن عدد الذين قتلوا في عهد السيسي نتيجة لعنف الدولة لحد الآن يفوق عدد القتلى في عهد مبارك الذي استمر عقودا طويلة. ولا يتوقع أن يمثل مسؤول عن قتل هؤلاء يوما ما أمام القضاء لمحاسبته. مصر لا تزال بعيدة عن أن تكون دولة قانون.