استمرار الأزمة السورية
عندما يُناقش موضوع اللاجئين في غرب أوروبا، فإن واحدة من الحجج الأساسية هي: "يجب علينا العمل أكثر على الحد من مسببات اللجوء في بلدان المنشأ". تُحوّل الحكومات ربما الكثير من الأموال، كما تربط دعمها بقدر الإمكان بشروط معينة، وذلك على أمل أن تؤثر هذه الخطوات بشكل إيجابي على المدى الطويل.
غير أن هذا الأمر لم يتحقق في حالة سوريا، لأنه في سوريا تسود الحرب، ولا يمكن إطلاقا اتخاذ نظام الأسد العنيف واللاإنساني أو إرهابيي التنظيم المدعي للدين "الدولة الإسلامية" شركاء في مشاريع الحكامة الرشيدة الأوروبية، وجميع مشاريع البناء يجب أن تبدأ عمليا من الصفر. الحقيقة المحزنة هي أنه لا يوجد في سوريا على الإطلاق قوى كافية يمكن اعتبارها "شريكا" في مفاوضات السلام، بغض النظر عن الأقلية الكردية أوعدد قليل من جماعات المعارضة المعتدلة والمهمشة سياسيا.
مساعدة اللاجئين واجب
كلف الصراع في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من 250 ألف قتيل. الحقد الطائفي ورغبات الانتقام سممت المناخ في سوريا على مدى هذه السنوات، وتقريبا نصف الشعب السوري هارب سواء من قصف الأسد الكثيف أو من عصابات القتل الإسلامية المزيفة التابعة لـ "داعش" أو من جماعات مماثلة كجبهة النصرة القريبة من القاعدة. وبالتالي تتحمل بلدان مثل لبنان وتركيا والأردن الحمل الأكبر من التراجيديا السورية.
غير أن أوروبا بدأت تشعر بوضوح أكثر بتبعات هذه الحرب: فالجزء الأكبر من اللاجئين المتواجدين حاليا في جزيرة كوس وكالي أو عند الحدود المقدونية، والذين ينتظرون قبولَ دخولهم، ينحدرون من مناطق الحرب السورية. إنهم الناس الذين على أوروبا والمجتمع الدولي مساعدتهم. إنهم الناس الذين يستحقون من الناحية الأخلاقية حمايتنا ودعمنا. لأنه ليس لدينا شيئ آخر نقدمه لا نحن ولا السياسيون في مراكز السلطة في واشنطن وموسكو والرياض وطهران وباريس وبرلين. ولا يوجد في الأفق المنظور ما يمكن الاعتماد عيله لإنهاء القتال في بلد هؤلاء اللاجئين. ليس فقط أطراف النزاع على الأرض من يعيقون التوصل إلى خطوة كبيرة باتجاه السلام وإنما أيضا المصالح المتضاربة بين الدول المجاورة وكذا بين واشنطن وموسكو.
بصيص أمل خافت
لا يوجد سوى بصيص أمل خافت- علامات حذرة تُبعث من وراء الكواليس حول إمكانية تحريك شيء في القضية السورية العويصة. فروسيا على الخصوص يبدو أنها تعيد التفكير شيئا ما في استراتيجيتها الحالية، وربما إيران والسعودية وتركيا. كما أن بعض أنشطة الزيارات البارزة لها دلالات معينة مثل زيارة وفد المعارضة السورية إلى موسكو أو زيارة رئيس الاستخبارات السورية للرياض. هذه اللقاءات لم تكن لتحدث قبل مدة قصيرة.
لكن من الواضح كذلك أن كل الفاعلين المشاركين بشكل مباشر أو غير مباشر مصرين على مواقفهم المعروفة: المؤيدة والمعارضة للأسد. شيئ واحد واضح هو أنهم يبحثون عن طرق جديدة. لكن إذا كانوا سيجدون فعلا صيغا توافقية جديدة، فيظل هذا الأمر غير مؤكد تماما. إضافة إلى ذلك لا يمكن التنبؤ بشكل موثوق به بتأثيرات محتملة للاتفاق الحاصل بشأن البرنامج النووي الإيراني على الحرب السورية.
المبادرة الأخيرة التي بدأتها الأمم المتحدة لها طبعا أهميتها على المستوى الديبلوماسي، فعلى الأقل وافقت عليها واشنطن وموسكو، اللتين اتفقتا أيضا بشكل ملحوظ على اتفاق يخص الأسلحة الكيماوية في سوريا. لكن هذه المبادرة تمنح السوريين آمالا غامضة: فأطراف الصراع ينبغي أن تنضوي تحت مجموعات عمل وتجلس على طاولة التفاوض. وهذه المحاولات تمت مرارا وتكرارا، وفشلت حتى الآن. فبدون اتفاق أساسي بين السعودية وإيران وموسكو وواشنطن، لن تمشي الأمور.
وفي غضون كل ذلك يستمر القتل بشكل يومي والعالم يستمر في الفرجة أو يدفن رأسه في الرمال كالنعام.