وجهة نظر: القيادة الألمانية في مواجهة العجز الأوروبي
٥ سبتمبر ٢٠١٥في هذه الأيام تتفاقم أزمة اللاجئين وتعلو معها الأصوات الناقمة على أوروبا، وتلك التي تتهم الاتحاد الأوروبي بقلة الحيلة، وصولاً إلى انعدام الكفاءة والعجز في التعامل مع مأساة اللاجئين.
وبينما توالت الاجتماعات الوزارية إبان أزمة الديون اليونانية وعُقدت القمم الطارئة بوتيرة شبه أسبوعية، لم يتغير أي شيء حيال مأساة اللاجئين على مدى أسابيع. ففي أغسطس/ آب كانت بروكسل تراوح مكانها الذي لم تبرحه منذ أغسطس/ آب في العام الماضي، أي في إجازتها الصيفية! وحتى الآن، بدأ الجهاز الإداري للاتحاد الأوروبي هناك يتحرك ببطء وتثاقل، في ظل انعدام مقترحات أوروبية عملية ومنطقية لحل الأزمة.
بروكسل لا تستطيع عمل كل شيء
ومن ناحية أخرى، لا يجب أن نظلم الاتحاد الأوروبي، فالقضية الأهم المتمثلة في كيفية توطين كل هذا العدد من اللاجئين لا تستطيع بروكسل إليها سبيلاً، ذلك أن حق التعامل مع اللاجئين ما يزال مسألة مناطة بكل دولة في الاتحاد الأوروبي على حدة. لكن تلك الدول فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك، لاسيما فيما يتعلق بإقرار نظام حصص اختياري لتوزيع اللاجئين، لأن كثيراً من الدول الأعضاء – رغم زعمها الالتزام بالقيم والأخلاقيات الأوروبية – تفضل ألا تستقبل أي لاجئين على أراضيها. ولا يمكن تخطي هذا الحد من العجز والتهكم!
لقد أظهرت أزمة اليونان أن الأمر ليس مرتبطاً بالمفوضية الأوروبية أو الجهاز الإداري للاتحاد في بروكسل، بل بالدول المنفردة وساسة بعينهم، وذلك من أجل التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ. ولكن لا نريد أن نخدع أنفسنا: فقد كان من الضروري رسمياً الحصول على موافقة 19 من الدول الأعضاء على حزمة الإنقاذ الخاصة باليونان، ولكن القيادة الألمانية في هذا الشأن هي التي مكّنت هذه الحزمة من رؤية النور.
لذلك، لا يمكن أن نتوقع حلولاً عملية من الاتحاد الأوروبي كمنظمة لأزمة اللاجئين الحالية، والتي تفوق في جانبها الإنساني بكثير أزمة الديون اليونانية أو الأزمة الاقتصادية والمالية، ذلك أن الغرور لدى دول الاتحاد ومصالحها الفردية تتباين بشكل كبير، وكذلك أوضاعها المالية وإمكانيات استقبال اللاجئين لديها.
الألمان يريدون المساعدة
في ألمانيا، يُتوقع أن يصل نحو 800 ألف لاجئ خلال العام الحالي. وعندما تم الإعلان عن هذا الرقم، انتشرت في البداية أيضاً سيمفونية التشاؤم: كيف يمكننا استقبال كل هؤلاء؟ ألمانيا مثقلة أساساً، وماذا عن الآخرين؟ ما الذي يجب عليهم فعله؟
ولكن ما على المرء سوى النظر إلى الصور التي تحرك المشاعر من مدينة ميونيخ، والتي انتشرت هذا الأسبوع – سيل المتطوعين الذين حضروا لمساعدة اللاجئين. هكذا ترد دولة تستطيع المساعدة وتريدها أيضاً. والإعجاب بذلك كبير للغاية في الخارج، خاصة في بريطانيا، التي أكد رئيس وزرائها على مدى أيام أن بلاده لن تقبل أي لاجئين جدد.
ديفيد ميليباند، أحد منافسي ديفيد كاميرون ووزير الخارجية السابق، وضع صورة على حسابه في موقع "تويتر" تصور جماهير الكرة الألمانية وهي ترفع لافتات ترحب باللاجئين، وأرفقها بجملة: القيادة الألمانية.
المزيد من الريادة الألمانية
هذه هي النقطة بالضبط – حينما لا يريد الآخرون أو لا يستطيعون، فإن ألمانيا – بإمكاناتها ومواردها – قادرة. هذه الفكرة قد تستفز غرور البيروقراطيين في بروكسل وتثير مخاوفهم من تداعي منظومتهم الأوروبية وعودة ظاهرة الدول القومية القوية. لذلك، لا يتحمل هؤلاء الخطوات أحادية الجانب، لاسيما من ألمانيا.
لكن هؤلاء النقاد يتجاهلون أن أحداثاً معينة تتطلب تحركاً مناسباً لا يتوافق بالضرورة مع المعايير العابرة للحدود الوطنية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، إلا أنها – رغم المشاكل والعوائق – أكثر نجاعة من حل تتفق عليه 28 دولة بعد كثير من المفاوضات والتنازلات.
يجب على ألمانيا أن تكون السبّاقة فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة اللاجئين، لأن هذه الأزمة سترافقنا لفترة طويلة، قد تمتد سنوات. حجم الأزمة يبقى مجهولاً. ولكن بالنظر إلى التاريخ، فإن القرارات والأفعال الحاسمة تم اتخاذها في برلين، وليس في بروكسل.