وجهة نظر: القوة تسبق القانون لا سيما في سياسة الشرق الأوسط
٢٠ نوفمبر ٢٠١٩التحول الأخير في سياسة الشرق الأوسط الأمريكية ليس إلا متناسقا. ففي السنة الماضية عرَفت حكومة ترامب مجددا الوضع القانوني المثير للجدل للقدس من جانب واحد، معنلة نقل سفارتها. وبعدها في الخريف تم الاعتراف لاسرائيل بسيادتها على مرتفعات الجولان. والآن يعلن وزير الخارجية بومبيو بأن حتى بناء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية لم يعد "غير متسق مع القانون الدولي".
وتعليل بومبيو هو تحويل المعاني الساخر للحقائق إلى مواقف قانونية. وصحيح أن الاعتماد على القانون الدولي لم يمنع اسرائيل من بناء مستوطنات في الضفة الغربية. لكنه منح الفلسطينيين المهجرين هناك على الأقل من الناحية القانونية موقفا تفاوضيا. لكن الحكومة الأمريكية تريد الآن تجريدهم من ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية تنهي عملية السلام
إعلان المستوطنات بأنها غير شرعية لم يدفع عملية السلام إلى الأمام، كما أضاف بومبيو. وهذا صحيح لكن ذلك لن يدفع عملية السلام إلى الأمام بإعلان عواقب القوة العسكرية الإسرائيلية بأنها قانونية. وبالفعل تنهي واشنطن بهذه السلسة من القرارات الموالية لإسرائيل من جانب واحد أي عملية سلام تستحق هذا اللقب.
ففي 2016 حث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إسرائيل على وقف شامل لبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة ـ لكن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الأمم المتحدة على كل حال مؤسسة غير مجدية. فلماذا ستبالي إذن واشنطن بالثرثرة الغبية للجمتع الدولي، فيما لا تهم فقط القوة التي تصدر من فوهات المسدسات. إنها عودة السياسة الدولية إلى ظروف زمنية سابقة كانت جيوش المرتزقة تفرض فيها الواقع السياسي.
والأوروبيون رفضوا فورا تحول النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية، معلنين أن جميع الأنشطة الاستيطانية غير قانونية وتدمر قدرة تحمل حل الدولتين وآفاق سلام دائم، كما قالت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فديريكا موغريني. لكن هذه التصريحات لا تستحق حتى الورق الذي طُبعت عليه، لأن الأوروبيين يفتقدون للقوة التي تمنحها صلاحيتها.
الاتحاد الأوروبي مجبر على المشاهدة وفرك اليدين
لكن بعدما تفعل واشنطن تحت ترامب كل شيء لمساعدة حكومة نتانياهو في كفاحها من أجل البقاء والترويج "لصفقة الشرق الأوسط الكبرى"، لم يعد يوجد للاتحاد الأوروبي حتى كوسيط في جولة جديدة من عملية السلام أي دور. والتطور الأخير بالنسبة إلى الأوروبيين هو في معناه المزدوج انتكاسة إضافية: فمن جهة هو يبين مرة أخرى أن الاتحاد الأوروبي في السياسة الدولية ليس نمرا، بل في أحسن الأحوال قطة أليفة. وينجح بصعوبة في حل النزاعات داخل صفوفه. إضافة إلى ذلك فإن قوة فاعلية الاتحاد الأوروبي لا تتناسب في أي حال مع أهميته الاقتصادية.
والجانب الثاني هو أن قاعدة الاتحاد الأوروبي كمجموعة قيم وقانون توضع منهجيا على المحك. فإذا لم يعد القانون الدولي يصلح لحل النزاعات، فهل لا يجب على الأوروبيين بعدها التسلح حتى الأسنان لمنح الاعتبار لمصالحهم بالقوة؟ فعلى المنصة الكبرى حيث تناضل شعوب صغيرة مثل الأكراد والفلسطينيين من أجل مستقبلهم، لا يمكن للأوروبيين إلا فرك اليدين في حيرة. من جهة لأنهم تنقصهم القوة العسكرية ومن جهة أخرى لأنهم أضاعوا الفرصة في العقد الماضي لبناء دبلوماسية قوية بإمكانها أن تضمن لهم دورا في النزاعات الدولية الكبرى. فهناك نقص في التكاتف والوعي بالمصالح المشتركة. وحتى الانتقاد الأخير من رئيس فرنسا ماكرون لن يغير شيئا في ذلك. فهو يناشد الأوروبيين بإلحاح القيام بدورهم السياسي العالمي. وانطلاقا من وضعهم الحالي في الضعف السياسي الخارجي لا يمكن لهم إلا التفرج في غضب مرتبك كيف تقوم واشنطن تلقائيا بإعلان الباطل في الشرق الأوسط كقانون جديد.
باربارا فيزل