وجهة نظر: الغزو التركي في سوريا ـ هجوم على أنجع سلاح ضد داعش
٢٣ يناير ٢٠١٨تركيا تنفي (ما يتم تدواله بشأن الحرب): ما هي إلا "دعاية سوداء" من تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن حول الضحايا المدنيين للهجوم التركي في أقصى شمال سوريا في منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد. فقط بعض المقاتلين المسلحين هم الذين قُتلوا في الهجمات الجوية التركية. ولا يتم استهداف فقط "إرهابيين".
أسطورة الحرب النظيفة هي من الأمور المبتذلة نظرا للعنف السائد منذ أكثر من سبع سنوات عبر سوريا. أما الأسطورة الثانية فهي تافهة بعض الشيء: بأن يتعلق الأمر لدى ميليشيات وحدات حماية الشعب كليا وبدون استثناء "بإرهابيين". صحيح أن مقاتلي وحدات حماية الشعب قريبون من حزب العمال الكردستاني الذي يُعتبر في تركيا والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. لكن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب ليست متطابقة. كما أن ميليشيات وحدات حماية الشعب لم تهاجم تركيا. فالصواريخ الساقطة الآن من منطقة الأناضول هي رد على الهجوم التركي على بلد جار.
عامل مناورة للسياسة العالمية
منذ مئات السنين والأكراد يشكلون عامل مناورة للسياسة الدولية. فالفصل الأخير من التعامل الساخر معهم تم تدوينه خلال الحرب في سوريا حيث ظهروا كإحدى القوى الأكثر فاعلية ضد المجموعات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" وآخرين. فقد ساهموا بصفة حاسمة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وتسليحها في أن لا يتمركز باستمرار تنظيم داعش في شمال سوريا. فالحرب من أجل مدينة كوباني التي استعمرها داعش في الشمال السوري في عام 2014 ما كانت ستنجح دون المقاتلين الأكراد. وحتى في العراق ضحد الأكراد تنظيم داعش ـ وأنقذوا إلى جانب ذلك حياة آلاف الإيزيدين الفارين. والأكيد أن المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا ليست بلدا ديمقراطيا نموذجيا. ولكن بالنظر إلى كافة المنطقة فإنه يضع مقاييس، إذ أنه يختلف عن الحكام العلمانيين وكذلك الدينيين في المنطقة.
حسابات الفاعلين
ومن الشنيع أن يتم التخلي مرة إضافية عن الأكراد السوريين. فالأمريكيون الذين سلحوا عسكريا الأكراد، وأرادوا معهم مؤخرا إقامة وحدة لحماية الحدود قوامها 30.000 رجل ضد العودة الممكنة لداعش يصمتون أمام هجوم الأتراك. فهم يتهربون على ما يظهر من النزاع مع الشريك في حلف الناتو، تركيا الذي يجمعهم معه الرغبة في النهاية السياسية لبشار الأسد. ومن أجل ذلك يبدو أن الاستعداد موجود في واشنطن للتخلي عن الأكراد.
ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا، كما ذُكر أنها سحبت فعلا وحداتها من حول عفرين. وكان وزير الخارجية لافروف قد نفى هذا مؤخرا. لكن الأكيد هو أن التوتر المتزايد حاليا بين شريكي الحلف الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا قد تكون في صالح موسكو، لاسيما وأن الشكوك المعللة ترتبط بشكل أكبر بولاء واشنطن تجاه حلفائها ـ هذه المرة الأكراد. وهذا يخدم مجددا سمعة موسكو.
وحتى من أوروبا يصدر حاليا فقط انتقاد باهت. وبشكل أوضح تحدث إلى حد الان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الذي طالب بعقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما الحكومة الألمانية فظلت في المقابل متحفظة في إصدار تصريحات. كما أنها لم تكشف عن موقفها تجاه التقارير التي أفادت أنه يتم في الهجوم التركي استخدام دبابات ليوبارد 2 الآتية من ألمانيا.
شريك عنيف لا يمكن التكهن برد فعله
وسكوت الغرب هو مخجل. كما أنه خطير، لأنه يدع لحكومة المجال مفتوحا في خضم اتباعها لنهج جد عنيف نحو الداخل والخارج. فالانتقاد الموجه للهجوم ردت عليه أنقرة حسب تقارير إعلامية تركية باعتقال نحو 30 شخصا.
ويجب الاعتراف بأن حكومة اردوغان تواصل نهجها العنيف في السياسة الخارجية: في البداية تجاه روسيا ثم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وطوال أشهر أيضا تجاه ألمانيا. والآن ليس كلاميا، بل عسكريا الهجوم على الأكراد السوريين: الحكومة التركية كفاعل قلما يمكن التنبؤ برد فعله وكشريك على الأقل غير موثوق به.
كيرستين كنيب