وجهة نظر: أوروبا ستستيقظ فقط عندما يتأثر الاقتصاد
ما نعرفه في يومنا هذا باسم "الاتحاد الأوروبي" كانت له أسماء أخرى سابقا. وأحد تلك الأسماء السوق الأوروبية المشتركة. ولازال التركيز إلى يومنا هذا ينصب على الاقتصاد والمصالح الاقتصادية.
انطلقت الوحدة الأوروبية من رغبة الدول المجاورة لألمانيا في السيطرة على إعادة بناء اقتصاد جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد مرور أقل من عشر سنوات على نهاية النظام النازي. وإلى ذلك التاريخ يعود شكل منظمة "الاتحاد الأوروبي"، ذات السلطات التي تتخطى السلطة الوطنية للدول الأعضاء فيها. وما كان يقع في السابق في مسؤولية السلطة الوطنية في كل دولة من دول الاتحاد أصبح من مسؤولية مؤسسة أعلى من السلطات الوطنية يطلق عليها الآن "المفوضية الأوروبية."
لم تتحقق آمال مؤسسي الاتحاد الأوروبي
اعتقد المتفائلون أن هذا النموذج سيؤدي إلى تخلي الدولة الوطنية عن صلاحياتها في القطاعات السياسية لصالح المؤسسة الأوروبية في بروكسل. لكن ذلك لم يتحقق. والسبب في ذلك هو أن المفوضية ليست هي مركز القوة داخل الاتحاد الأوروبي، وإنما المركز هو المجلس الأوروبي والاجتماعات الخاصة بوزراء الدول الأعضاء أو رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، عندما يتعلق الأمر بالموضوعات المهمة.
في تلك الاجتماعات تكون المحادثات عبارة عن صراع حام أحيانا، وأحيانا أخرى مجرد مساومات عادية لا يتعلق الأمر فيها أساسا بالقيم المشتركة لأوروبا، وإنما بالمصالح الوطنية الخاصة، التي تسعى كل بلد بالحصول عليها. وبهذا الشكل وليس بشكل آخر عمل الاتحاد الأوروبي على مدى عشرات السنين، وحقق نجاحا كبيرا جدا، حيث لم تشهد أوروبا حربا على مدى 70 عاما، كما تم خلق منطقة رخاء لا مثيل لها.
فشل مشترك في السياسة
وطبعا استطاعت ألمانيا للتوصل التمهيد لكثير من الحلول الوسط، وذلك من خلال قيامها بدفع مبالغ مالية أكبر من الآخرين. وغالبا كان ذلك في النهاية أيضا من منطلق أنانية وطنية، فألمانيا القوية باقتصادها القائم على التصدير كانت في حاجة ماسة إلى أوروبا ومسارها، وكان كل فشل لأوروبا سيكون أغلى بشكل واضح.
وحتى اليوم يحرص كل عضو في الاتحاد الأوروبي بعناية على عدم تقديم صلاحيات كثيرة لبروكسل. هل توجد سياسة أمنية وخارجية مشتركة للاتحاد الأوروبي؟ ليس هناك ما يستحق هذه التسمية. ولذلك فإن أزمة اللاجئين الحالية لم تأت من قبيل الصدفة أو أنها قدر محتوم، وإنما تعبير عن فشل سياسي مشترك.
أزمة ظهرت بوادرها في وقت سابق
طبعا كان باستطاعة الاتحاد الأوروبي العمل كثيرا للحد بشكل كبير مما يجري من نزوح في المسارات الحالية للاجئين، من خلال تلبية نداءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان و تركيا في الوقت المناسب. فهناك لا يوجد تعليم للأطفال وما يكفي من المواد الغذائية حاليا. فليس إذن من المفاجأة أن تبدأ رحلة آلاف اللاجئين قبل أسابيع. وكان ذلك ربما سيكلف أموالا كثيرة، لكن ما يحدث الآن هو أغلى بكثير، علاوة على فقد مهاجرين لأرواحهم.
وكأن الاتحاد الأوروبي لم يفهم ما يحدث حاليا، فاستمر كل بلد في نهج مصلحته الخاصة: فاليونان وإيطاليا تستمران في التلويح بالابتعاد عن المهمات، والمجر يبني السياج، وشرق أوروبا تغض الطرف، والمستشارة أنغيلا ميركل تدعو كل السوريين إلى القدوم لألمانيا دون استشارات. ورغم ذلك فإنها تريد توزيع حمل المسؤولية، ثم لزمها الاستسلام بعد أسبوع ولو جزئيا، حيث إن المهمة تفوق كل الحدود. في هذه الأثناء لم يتمكن الوزراء في بروكسل في الاتفاق حتى على توزيع مائة وستين ألف لاجئ. أكثر من هذا العدد من اللاجئين وصلوا الآن إلى هنا، وسيتبعهم آخرون. ولا أحد يستطيع مراقبة من هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟ وإلى أين يذهبون؟ ولا وجود في أوروبا حاليا للسياسة، كقوة تسير الأمور.
النهاية المرتقبة لاتفاقية شينغن
أين المفر؟ لا أحد يعلم، وليس هناك من خطة أو مشروع. منذ فترة بعيدة ماتت اتفاقية دبلن وستتبعها اتفاقية شينغن. وبالنظر إلى الحدود المفتوحة، لا يمكن إرغام اللاجئين على البقاء في بلدان لا يريدون البقاء فيها. فهل يعني ذلك أن أوروبا ستفقد إحدى القيم الأساسية فيها؟ فحرية السفر شيء جميل ولكن الحياة بشكل أفضل كان أمرا ممكنا في السابق. وبسبب مراقبة الحدود سترتفع خاصة تكاليف نقل السلع بشكل قوي. وعندما يكون أحد العناصر الاقتصادية في خطر، فمن الممكن أن يحدث شيء ما.