ضرب وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير بقوة للمرة الثانية على التوالي خلال بضعة أيام. قراراته تحمل إشارات يجب التوقف عندها. لقد ولت أيام الترحيب المفتوحة للجميع، حتى للسوريين، والآن سيعود العمل باتفاقية دبلن، التي ستطبق على جميع الوافدين دون استثناء. هذا يعني أن على كل سوري فارّ إلى أوروبا تقديم طلب لجوئه في أول بلد أوروبي يصل إليه. وحتى إن واصل طريقه إلى ألمانيا، ستعيده السطات الألمانية إلى أول بلد عبور وصل إليه.
في شهر أغسطس/ آب الماضي، قررت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لأسباب إنسانية، استثناء السوريين من اتفاقية دبلن للاجئين. المستشارة أرادت أيضاً تخفيف الضغط على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، لأن إجراءات تقديم اللجوء طويلة جداً. في تلك الأثناء، توافد الآلاف إلى ألمانيا، من ضمنهم أشخاص قدموا أنفسهم على أنهم سوريون لعلمهم بأن هذه هي الطريقة الأضمن والأسرع لقبول طلبات لجوئهم.
بلدان العبور الأوروبية، كاليونان وهنغاريا وكرواتيا وسلوفينيا والنمسا، غضت الطرف عن هؤلاء وسمحت لهم بالعبور ببساطة. لم لا؟ فالكل يريد الوصول إلى ألمانيا. والسلطات الألمانية فتحت لهم الحدود ورحبت بهم جميعاً. لكن الآن، تزايدت الضغوطات على الحكومة الألمانية لكبح تدفق اللاجئين.
انتقادات متوقعة
وكما كان متوقعاً، ازدادت الانتقادات الموجهة لوزير الداخلية دي ميزيير وانهالت عليه الاتهامات من كل صوب باللاإنسانية وأن قراره غير قابل للتطبيق وأنها خطوة لم يُتفق عليها. بعض الاتهامات في محلها، ولكن إعادة العمل باتفاقية دبلن لن يغير في الحقيقة الكثير. فاليونان يعتبر أهم بلد يعبر منه اللاجئون إلى أوروبا، وقد تم استثناؤه من خطة أوروربية لإعادة توزيع اللاجئين.
يجب على ألمانيا في كل حال من الأحوال معرفة بلد العبور الأول الذي وصل إليه اللاجئون عند اجتيازهم الحدود الأوروبية. هذا الأمر لن يبوح به اللاجئون. وما شجع دول العبور الأولى على تسهيل مرور الآلاف هو معرفتهم أن تسجيل اللاجئين على أراضيها يعني في نهاية المطاف عودتهم إليها بشكل أو بآخر. عشرات الآلاف من اللاجئين يشكلون عبئاً كبيراً على بلدان صغيرة مثل سلوفينيا. الحكومة الألمانية مطالبة بالتعاون أكثر مع البلدان الأوروبية حتى يمكن إعادة تفعيل اتفاقية دبلن من جديد، بالرغم من تصريحات المستشارة ميركل مؤخراً أمام البرلمان الأوروبي، عندما وصفت نظام دبلن بأنه "غير مجد عملياً"ّ.
هناك انتقادات أخرى في محلها وجهت إلى الوزير دي ميزيير. فالمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين ستستنزف طاقاته، ذلك أنه سيضطر لإعادة التدقيق في طلبات اللجوء، وبهذا فإن إجراءات قبول طالبي اللجوء ستطول أكثر من المتوقع، ما سيضطر الآلاف إلى الانتظار طويلاً حتى دراسة ملفاتهم. الحكومة الألمانية كانت تريد تسريع إجراءات اللجوء، وهي الآن تقوم بالعكس.
عودة ألمانية إلى الوراء
اتخاذ الموقف الألماني خطوة إلى الوراء يحمل في طياته رسالة إلى المواطنين الألمان وإلى اللاجئين والشركاء الأوروبيين، مفادها أنه لا يمكن لألمانيا أن تواصل استقبال المزيد من اللاجئين. قرار ميركل التاريخي بتعليق العمل باتفاقية دبلن كان خاطئاً منذ البداية، وهذا ما دفع بالآخرين إلى الإسراع باتخاذ خطوات لترتيب الأوضاع من جديد.
لقد تسببت أزمة اللاجئين باهتزاز صورة ميركل لدى الرأي العام الألماني وتراجع شعبية حزبها، وهذا ما تظهره على الأقل آخر استطلاعات الرأي. وفي المقابل، تزايد نفوذ الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا". إذا لم تتمكن الأحزاب المعتدلة من كبح تدفق اللاجئين سريعاً، فإن القوى المتطرفة ستستغل هذا الوضع لتصل إلى السلطة.