وجهة نظر: أزمة الخليج ..السلطوية مقابل التعددية
١٨ يوليو ٢٠١٧مسافة كبيرة تفصل بين المملكة العربية السعودية وأوروبا، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح إن كانت المعلومات التي ترسل من هناك تصل إلى هنا حقا كما هي. ويطرح هذا التساؤل بقوة بمناسبة النهج المتعنت التي وضعت المملكة العربية السعودية نفسها وشركائها فيه بمواجهة قطر. وهل يمكن أن تلك المعلومات التي تتعلق بالأسباب المنطقية لهذه السياسة قد تلاشت خلال هذا الطريق الطويل.
بالتأكيد أن هذا الأمر سيكون جيدا لو كان كذلك، إلا أنه ليس كذلك للأسف. إذ أن المعلومات الواردة حول هذا الموضوع، أينما بحثت في الصحف- حتى في الصحف العربية – أو على شاشة التلفزيون، أو عبر محاورة الزملاء من تلك المنطقة، لا تجد أسبابا مفهومة أو منطقية توضح سبب هذه المقاطعة.
"إن كان بيتك من زجاج.."
اتهام قطر بدعم الإرهاب هو أمر مثير للسخرية، خاصة عندما يتم ذكر هذا الأمر من قبل دولة تعتبر واحدة من كبرى الدول الراعية للحركات الأصولية- هذا إن لم تكن أكبرها بالفعل. وبطبيعة الحال، فإنه ليس المقصود هنا الدولة نفسها، بل ربما بعض الناشطين في مؤسسات ناشطة في البلاد، التي تدعم نشر المفهوم الوهابي للدين، المحافظ (كي لا أقول رجعي)، وذلك من أجل تعزيز الدين الرسمي للمملكة في جميع أنحاء العالم. ولعل دول مثل إندونيسيا والبلقان على سبيل المثال، من المناطق التي شعرت بآثار هذه الأيديولوجية، من حيث تنامي هذه الحركات هناك.
وطالما تتدفق هذه الأموال هناك، فسوف تستمر الأصولية الدينية في تسميم القلب والدماغ، لذلك على المملكة العربية السعودية الامتناع عن التصريح بمثل هذه الادعاءات.
هجوم على التعددية
ما قد يكون أكثر مدعاة للخجل من ذلك هو طلب إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام التي تتلقى دعم الممولين القطريين. ليس من الضروري أن تحب قناة الجزيرة، فعبر إرسالها باللغة العربية على سبيل المثال، توفر القناة منبرا لنشر أفكار يوسف القرضاوي، عن طريق برنامج حواري لنشر أفكاره الخاصة والتي لا تبتعد عن الشبهة أيضا، إذغ أردنا ان نكون محايدين.
لكن قناة الجزيرة لديها أيضا أصواتا أخرى عبر برامجها المقدمة، فهي تعرض أيضا مواقف لا تزال بعيدة كل البعد عن التصريحات المشكوك بها الصادرة عن رجال الدين المتشددين، وبعيدة عن الأصوات الوهابية، سادة الفتاوى والأمثال الدينية، من المملكة العربية السعودية.
بالتأكيد، قطر ليست جنة لحقوق الإنسان. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من منطقة الخليج، فإن هذه الإمارة تتعامل مع العمال الأجانب ومعظمهم من آسيا بشكل مخجل. إلا أن بعض المؤسسات الإعلامية الممولة من قطر مثل صحيفة العربي الجديد الحديثة نسبيا تعتبر نعمة في سوق الإعلام العربي، وهي واحدة من الأصوات التي يمكن الاستماع لها، وتقدم حججا واضحة ومفهومة، لا يجب على المرء أن يتبنى موقفها حرفيا. ولكن مضمونها مفهوم.
احترام الجمهور
وسائل الإعلام هذه تتعامل كما ينبغي لأي وسيلة إعلامية أن تتعامل به، ألا وهو احترام الجمهور، واحترام عقول القراء والمواطنين، هذه الأمور جميعها تحرص العربي الجديد على سبيل المثال على تقديمه بكل وضوح.
ويمكن التخمين أن هذا هو الأمر الذي لم يعجب الساسة في الرياض، حيث يفضل هؤلاء بدلا من ذلك إضافة وسائل دينية على العقل والقلب من أجل مصادرة الأفكار، وهم الذين يتحدثون بشكل رئيسي في صحفهم الخاصة بهم عن نعمة الإيمان من أجل ثني القراء من عن الأفكار "الغبية" التي قد تسمح لهم بتكوين صورة خاصة للأحداث، فالأنظمة السلطوية لا تفرح بوجود صحف تعمل وفق مبدأ التعددية.
ولهذا السبب بالذات فإن الصراع بين المملكة العربية السعودية وقطر هو أكثر بكثير من مجرد نزاع في شبه الجزيرة العربية. بل هو نزاع بين المبادئ الأساسية للثقافة السياسية، وفي نهاية المطاف للمستقبل السياسي للمنطقة.
هل يكون الرهان على هيمنة الخطاب السلطوي أم على تعددية قد تظهر يوما ما في العالم العربي، وهذا هو الأمر الذي تسير الأمور عليه في منطقة النزاع في الخليج. وأخيرا وليس آخرا على الدول الأوروبية أن تكون حذرة في اختيار الجانب الذي ستدعمه، بناء على ما سبق من معلومات وأيضا بناء على أسباب أخرى مهمة مثل مواجهة حركات الهجرة المتوقعة من هناك.
كيرستن كنيب/ع.أ.ج