وجهة نظر: أزمة الجزيرتين واستقرار مصر الخادع
"بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي": من النشيد الوطني المصري يمكن أن يُظهر للمرء، مدى فخر المصريين بأرضهم. ومن يريد أن يقود سياسة ناجحة في أكثر البلدان العربية سكانا، فعليه أن لا يقلل من أهمية المشاعر الوطنية، التي تعتبر من أولويات الخطاب الجماهيري التي على القائد إجادتها. وبالتأكيد فلا يجب إذن على رجل دولة مصري أن يُعطي الانطباع، أنه يمكن استبدال المصالح الوطنية بالمال.
يجب الآن على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مواجهة هذا الإنطباع، فمعارضو الحاكم المستبد يتهمونه "ببيع" أراضي مصرية، منذ إعلانه عن نيته التخلي عن جزيرتين تحت الإدارة المصرية في البحر الأحمر لصالح السعودية. الاتهام الموجه للسيسي بالـ"تضحية" بجزيرتين مقابل الحصول على دفعات مالية من قبل "الشقيقة (الخليجية) الكبرى"، التي لا تحظى بحب الجميع، لا يمكن التأكد من صحته. لكن الاتهام يجد له أصداء في الشارع المصري، وأضعف الرئيس في خاصرة رخوة: هل مازال قلبه وحبه للأمة المصرية فقط؟.
هذا التلميح يجد صداه غالبا مع كل نقد يوجه للرئيس المصري. وهو نقد غير عادل تماما. فالسيسي غير مشتبه بحصوله شخصيا على منافع مالية. لكن الاكثر إهانة هو شعور المصريين، أن الاتفاق حقيقة مُرة تعكس الوضع في البلاد: فمصر ترزح ليس سياسيا فقط، بل اقتصاديا تحت أزمة صعبة، وأن كل مساعدة مالية خارجية مرحب بها. وحيث تتواجد الأموال تظهر الشروط.
السيسي يدافع عن نفسه بالطرق المعتادة
لغاية الآن يبدو السيسي مسيطرا على الوضع، ويدافع عن نفسه بالطرق المعتادة: التظاهرات على نطاق واسع ضد اتفاق الجزيرتين تم تطويقها بتواجد مكثف للشرطة وقنابل مسيلة للدموع وإلقاء القبض على أكثر من 200 شخص. وعلى شاشة التلفزيون حذر السيسي مسبقا من "قوى الشر"التي تهدد مصر، وترك الجيش يحلق بطائراته فوق القاهرة محذرا من سيناريو المؤامرة.
زيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية، ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تحدث خلال زيارته مصر ولقائه مع السيسي عن "رئيس مثير للإعجاب". أنصار السيسي هللوا لتصريح غابرييل، لكن كثيرا من المصريين لهم رأي آخر: السيسي لم يحقق حتى اليوم أي تقدم اقتصادي ويحكم البلاد بقبضة حديدية من دون أي تصور مستقبلي للبلاد، الأمر أشبه ببرميل بارود، مهدد بتفجره عبر صراعات سياسية واجتماعية بالإضافة إلى ضربات مؤلمة من الإرهاب موجهة للسياحة المصرية. وإلى كل ذلك يُضاف أيضا النقاش المحتدم حول "بيع" السيسي لأراض مصرية.
الشرارة القادمة يمكن أن تهدد برميل البارود المصري وتؤدي به إلى انفجار خطير.اقتصاديا يبدو هامش اللعب محدود جدا. لكن على الأقل يمكن للسيسي أن يتعلم من تاريخ مصر الحديث: الاستقرار المبني على القمع، هو استقرار هش ومحدود. ويمكن انهياره في أي وقت.