واقع جديد.. الغزو الروسي يغير خارطة التحالفات في أوروبا!
٢٩ مارس ٢٠٢٢منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أكثر من شهر اتخذت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة موقفاً جماعياً ضد موسكو إظهاراً للوحدة في المواقف، لكن بين طيات هذا الموقف كانت هناك بعض الاتجاهات لتغليب المصالح الذاتية أحياناً على الموقف الجماعي.
في هذا السياق يقول الدكتور سومانترا ميترا، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذكر في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي خصّ فيه ألمانيا بعدم فهم ما يجري في أوكرانيا وانتقد المجر على وجه الخصوص لحيادها: "أريد أن أتوقف هنا وأن أكون صادقاً. عليكم أن تقرروا بأنفسكم من أنتم بشكل نهائي وحاسم".
وذكر ميترا الباحث في مركز ناشونال انتريست أن زيلينسكي أشار إلى النصب التذكاري "أحذية على ضفاف نهر الدانوب" للهولوكوست، واستهدف بكلماته رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، حيث أبدى غضبه بشكل واضح من التحفظ والحياد المجريين، قائلاً: "انظروا إلى تلك الأحذية، وسترون كيف يمكن أن تحدث عمليات القتل الجماعي مرة أخرى في عالم اليوم. وهذا ما تفعله روسيا اليوم".
وفي ظل العرض السطحي للوحدة عبر ضفتي الأطلسي، لا تزال هناك اختلافات حادة في الداخل. ودائما ما تكون فرضية زمن الحرب صعبة ولكن حتى الآن وتحت خطر التعميم، تظهر ثلاث مجموعات فرعية متميزة بين دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ودوافعها مهمة للتحليل، بدلاً من فكرة مبسطة مفادها أن هناك بعض الوحدة "الغربية" الواسعة.
قوى الوضع الراهن
يقول ميترا إنه يمكن أن يُطلق على تلك المجموعات على التوالي: قوى الوضع الراهن والموازنون والتبشيريون. وتعد فرنسا وألمانيا والمجر، برأي ميترا، أمثلة نموذجية على قوى الوضع الراهن في هذا السياق.
ويشير ميترا إلى أن الدافع الرئيسي لسلطات الوضع الراهن هو منع الحرب من الانتشار، فضلاً عن التوصل إلى تسوية واستعادة التجارة، والدافع الأساسي للتبشيريين هو دحر روسيا، والدافع الأساسي للموازنين هو ضمان تحول الغزو الروسي إلى مستنقع، دون الانزلاق إلى صراع أوسع.
وعلى الرغم من أن المجر وفرنسا وألمانيا غالباً ما تقع على طرفي نقيض فيما يتعلق بأسئلة محددة حول الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي، فإن اصطفافها بشأن روسيا واضح. وأيدت الحكومة المجرية بقوة قرار حلف شمال الأطلسي بعدم إقامة منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، كما جاهرت بأنها ستعترض على إرسال بعثة سلام إلى أوكرانيا.
وفي هذا السياق أوضح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو أن إقامة منطقة حظر جوي يعني الحرب، تماماً كما أن إرسال قوات إلى أوكرانيا كقوات لحفظ السلام من شأنه أيضاً أن يخاطر بالحرب.
وقال سيارتو إن "مصلحة المجر واضحة... المجر تريد البقاء خارج هذه الحرب، وسنلتزم بالموقف المشترك لحلف شمال الأطلسي ونرفض المقترحات التي تخاطر إما بحرب جوية أو حرب ممتدة على الأرض"، مضيفاً أن الحرب يجب أن تظل محلية وألا تنتشر خارج أوكرانيا.
انحياز إلى ألمانيا وفرنسا
وعلى أي حال، فقد انحازت المجر إلى ألمانيا وفرنسا. واستبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل قاطع أي تدخل لحلف شمال الأطلسي، أو منطقة حظر جوي، وغرد عبر تويتر قائلاً إنه في حين تدعم فرنسا بحذر إرسال أسلحة دفاعية وفتاكة، فإنها تريد من الناتو تجنب أن يصبح شريكاً في الحرب.
بدوره رفض المستشار الألماني أولاف شولتس مؤخراً فرض عقوبات على الطاقة الروسية (التي يطلق عليها الأوكرانيون اسم أموال الدماء)، قائلاً إن من شأنها أن تؤدي إلى ركود أوروبي.
ومن المثير للاهتمام أن هذا يدل أيضاً على اختلاف متزايد بين المجر وبولندا، وهما حكومتان محافظتان يمينيتان اسمياً ويبغضها الليبراليون الغربيون وتجدان نفسيهما على الجانبين المعاكسين للقضية الروسية.
وتتحرك بولندا والمجر نحو الانقسام في المجلس الأوروبي، حيث تضغط بولندا لفرض عقوبات على واردات الغاز والنفط والفحم الروسية وإرسال بعثة إنسانية لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، وتمنع المجر إلى جانب ألمانيا العقوبات على واردات الطاقة وتسعى إلى تجنب أي تورط للناتو.
مجموعة التبشيريين
ويرى ميترا أن هذه المجموعات من الدول، التي تتألف من بولندا ودول البلطيق وفنلندا، هي ما يمكن تسميته بمجموعة التبشيريين. ويقول إنها متطرفة في مطالبها حول تحقيق التوازن بين روسيا، كما أنها في طليعة المطالبة بأن الناتو لا يحتاج إلى حدود، ويجب أن التوسع في مشاركة الناتو خارج المنطقة.
وأرادت بولندا مؤخرا إحراج الولايات المتحدة لتسليم مقاتلات ميغ إلى أوكرانيا، إلا أن الإدارة الأمريكية رفضت، حيث فوجئت بالمحاولة البولندية لإلقاء الكرة في ملعب واشنطن.
ودعت ليتوانيا وإستونيا إلى إنشاء منطقة حظر جوي فوق السماء الأوكرانية، حتى عندما تؤدي منطقة حظر الطيران إلى حرب، وحتى عندما حذر عدد كبير من الخبراء في الولايات المتحدة مؤخراً من الوقوع في حرب بين القوى العظمى.
وعندما واصلت بلجيكا وألمانيا والنمسا والمجر وهولندا حتى الآن استخدام الوقود الأحفوري الروسي، قالت فنلندا ودول البلطيق مراراً إن شراء الطاقة من روسيا يمول الحروب بشكل فعال.
وأخيراً، هناك مجموعة الموازنين الذين يبدو أنهم يلعبون على كلا الجانبين، كما يفعل الموازنون الكلاسيكيون. إذ تؤيد بريطانيا والولايات المتحدة بشدة رفع تكاليف الغزو الروسي.
وكانت بريطانيا في طليعة إمدادات الأسلحة بينما استبعدت فرض منطقة حظر جوي ومشاركة حلف شمال الأطلسي، وهو موقف مشابه للولايات المتحدة، التي تفرض بدورها بعضاً من أشرس العقوبات على روسيا.
ع.غ/ (د ب أ)