واشنطن تواصل "دبلوماسية الحرب" لعرقلة مساعي وقف إطلاق النار
٢٧ يوليو ٢٠٠٦يبدو جلياً بأن الدبلوماسية الأمريكية في الوقت الحالي لا تنشط، لدعم الجهود الدولية الساعية لوقف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وإنما لعرقلة هذه الجهود من أجل منح الجيش الإسرائيلي الوقت الكافي لتدمير البنية العسكرية لحزب الله. وتعمل الإدارة الأمريكية على كافة الأصعدة بهدف معارضة وقف فوري لإطلاق النار والترويج لما تسميه واشنطن وقفا دائما وقابل للاستمرارية في إطار تسوية شاملة للصراع في المنطقة. فالإدارة الأمريكية، التي تروج في المكان والزمان غير المناسبين، لفكرة "الشرق الأوسط الجديد" تعرف حق المعرفة أن مثل هذا المنطق غير قابل للتطبيق وذلك بسبب ظروف ذاتية وموضوعية أهمها أن السلام لن يتحقق بقوة السلاح وإن إستمرار الحرب لن يخلق واقعا جديدا كما تأمل واشنطن وتل أبيب، وإنما سيخلق وضعا متوترا ومتفجرا في المنطقة برمتها.
وتراهن واشنطن وتل أبيب على عنصر الوقت من أجل تدمير قوة حزب الله قبيل إخراجه من المعادلة السياسية وخلق واقع جديد في المنطقة قبل الحديث عن أي قوات دولية هناك أو عن محادثات سلام. لكن يبدو أن استمرار المقاومة الشرسة لحزب الله، رغم تكثيف إسرائيل لعملياتها العسكرية، قد دفع واشنطن إلى التدخل لتأجيل، إن لم يكن لعرقلة أي محاولات لوقف إطلاق النار قبل أن تحقق إسرائيل اهدفها في لبنان. لذلك تنبئ الأيام القليلة القادمة بأن الحرب ستزداد ضراوة. وفي هذا السياق أعلنت اليوم الحكومة الأمنية الإسرائيلية تأييدها لتكثيف الضربات الجوية على حزب الله في لبنان بعد الخسائر المتزايدة التي تكبدها سلاح البر الإسرائيلي في لبنان يوم أمس.
نشاط دبلوماسي أمريكي وجهود دولية موازية
في هذه الأثناء تواصل وزيرة الخارجية ألأمريكية جهودها الدبلوماسية لتبرير موقف بلادها من ملف الحرب في لبنان بل ولحشد الدعم الدولي له. في هذا الصدد تقوم اليوم كوندوليزا رايس بزيارة لكوالالمبور، حيث تعقد الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق أسيا التي أدانت بشدة الثلاثاء الماضي الهجوم الإسرائيلي على لبنان وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار. ويتوقع أن تطغي على محادثات رايس يتوقع ان يطغى عليها إلى جانب الملف النووي الكوري الشمالي ايضا ملف الشرق الاوسط. يأتي هذا فيما كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أفشلت يوم أمس الجهود الدولية الرامية إلى وقف عجلة الحرب خلال مؤتمر روما، الامر الذي أعتبره المراقبون بمثابة دعوة ضمنية لاستمرار الحرب وبأنه ـ كما فهمه وزير العدل الإسرائيلي حاييم رامون ـ ضوء أخضر لإسرائيل لمواصلة الهجوم على لبنان. وكان دبلوماسيون من مختلف الدول الأوروبية والدول العربية قد فشلوا في الاتفاق على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار بعد أن حالت واشنطن دون التوصل اليه مجادلة بانه يجب أولا حل قضايا الصراع الجذرية قبل وقف إطلاق النار.
مع ذلك فإن الجهود الدبلوماسية الدولية لاسيما من قبل الإتحاد الأوربي والأمم المتحدة من اجل الوساطة لم تتوقف بسبب الموقف الأمريكي. ويقول دبلوماسيون إن مؤتمر روما وضع الأساس لتحرك محتمل إلى الإمام. في هذا الصدد ترافقت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية إلى كوالالمبور بزيارة مماثلة لمنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لبحث ألازمة مع وزراء خارجية أسيا في اجتماع منتدى دول جنوب. من ناحية أخرى طُلب من كوفي أنان استخدام مساعيه الحميدة لدى سوريا وإيران وهما حليفان رئيسيان لحزب الله للحصول على تعاونهما في التوصل إلى حل لإنهاء الهجوم الإسرائيلي على حليفهم اللبناني. وتسعى فرنسا، الرئيس الدوري الحالي لمجلس الأمن، عقد اجتماع وزاري بمجلس الأمن الدولي في أوائل الأسبوع القادم لبحث قرار لوقف إطلاق النار ومن المتوقع ان تقف واشنطن في طريقة. من جانبه يناقش الاتحاد الأوروبي فكرة تشكيل قوة حفظ سلام قوية ربما بقيادة فرنسا تحصل على تفويض قوي من الأمم المتحدة لحراسة جنوب لبنان وأبعاد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية. وسيعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي محادثات طارئة يوم الثلاثاء القادم لبحث ألازمة ودورهم في القوة المقترحة.
واشنطن تعرقل إدانة إسرائيل دوليا
من جانب أخر وفي السياق نفسه فشل مجلس الأمن الدولي في الاتفاق على صيغة تدين القصف الإسرائيلي لمركز للأمم المتحدة في جنوب لبنان بسبب معارضة الولايات المتحدة لأي صيغة حازمة ذات تعبيرات بدا أنها تنتقد إسرائيل. كما أن المجلس لم يتمكن يوم أمس من التوصل إلى توافق حول كيفية وصف الحادث الذي وقع أمس الثلاثاء وقتل فيه أربعة من ذوي الخوذات الزرقاء، وهم نمساوي وكندي وصيني وفنلندي في القصف الجوي الإسرائيلي على مركزهم في الخيام قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية. كما تمحورت الخلافات حول اعتبار الحادث "هجوما" ان لم يكن "هجوما متعمدا" على مركز الأمم المتحدة. وكان النص الأصلي الذي تقدمت به الصين قد خضع خلال المفاوضات التي استمرت طوال يوم أمس الأربعاء لثلاثة تعديلات عل الأقل هدف كلها إلى التخفيف من حدة لهجته بإصرار من واشنطن حرصا منها على عدم توجيه النقد لحليفتها إسرائيل. ووفقا لمصادر دبلوماسية أصرت واشنطن على أن يتم تحديد طبيعة الحادث من خلال التحقيق الذي تعهدت السلطات الإسرائيلية بإجرائه وليس تحقيقا أخر. يذكر أن إصدار مثل هذه الوثيقة ويتطلب إجماع أعضاء مجلس الأمن الـ 15، غير أن مفعولها لا يلزم كل دول العالم على غرار قرار أو تفويض مجلس الأمن الدولي. هذا وسيجتمع مجلس الأمن الدولي مجددا اليوم الخميس لهذا الهدف.
ومن جانبه دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان إسرائيل إلى التحقيق فيما سماه "استهدافا متعمدا فيما يبدو" لموقع المراقبة التابع للأمم المتحدة. يذكر أن هذا الحادث أثار ردود أفعال دولية كثيرة وأثار أكثر من علامة استفهام، رغم أن الحكومة الإسرائيلية بررته بأنه حادث عرضي معربة عن أسفها لوقوعه. وجاء هذا الحادث في الوقت الذي يتم فيه تداول فكرة إرسال قوات دولية إلى لبنان. وفي هذا لاالإطار يذهب بعض المحللين إلى أن فكرة القوات الدولية تلقت بهذا القصف تحذيرا من جانب إسرائيل التي وجهت رسالة ضمنية بأن فكرة إرسال قوات دولية إلى لبنان لم يحن الوقت بعد لها وإنه لازال هناك مهام يجب أن تنتهي منها إسرائيل في لبنان وهي القضاء على قوة حزب الله.