هيرتا مولر تستلم جائزة نوبل: الكتابة طوقاً أخيراً للنجاة
١٠ ديسمبر ٢٠٠٩عندما سألها الصحفيون ماذا ستفعل بقيمة الجائزة التي تقارب المليون يورو، رددت هيرتا مولر السؤال بصوت خافت، ثم قالت ضاحكة: "اطمئنوا، لن أشتري يختاً". بدت الفائزة بجائزة نوبل لهذا العام خجولة في المؤتمر الصحفي، وكأنها تريد أن تختفي بسرعة عن الأنظار، تاركةً الساحة لرواياتها وأشعارها، فهذه الأعمال هي التي استحقت الجائزة وليست هي، مكررةً في ستوكهولم ما قالته إثر نبأ الإعلان عن فوزها بالجائزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ما الوطن؟
"الوطن هو ما لا يستطيع الإنسان تحمله عندما يعيش فيه، ولا يستطيع نسيانه عندما يبتعد عنه"، بهذه الجملة أجابت هيرتا مولر الصحفيين عندما سألوها عن مفهومها للوطن. هذه الأديبة المولودة عام 1953 في منطقة "بانات" الرومانية التي تقطنها الأقلية الألمانية، ما زالت ربما تعيش بذهنها في وطنها السابق الذي لم تتحمل قسوته. هربت مولر عام 1987 إلى برلين حيث استقرت وحصلت على الجنسية الألمانية، ورغم ذلك فإن كل أدبها يتمحور حول رومانيا أيام الحكم الشيوعي وحول القمع والقهر والظلم الذي يعانيه المواطنون في نظام شمولي.
عندما بدأت الكتابة ونشر القصص القصيرة في رومانيا كانت تعمل مترجمة في أحد المصانع، غير أنها فُصلت لرفضها التعاون مع جهاز المخابرات. بعد ذلك استطاعت أن تهرّب مخطوطتها الأولى "منخفضات" إلى ألمانيا حيث تم نشرها عام 1984. وعندما رحلت إلى برلين الغربية واستقرت فيها أرادت أن توجه رسالة ضد النسيان، فنشرت عام 1992 روايتها الأولى "الثعلب كان آنذاك هو الصياد" وأعقبتها بعملين تناولا أيضاً فظائع حقبة تشاوشيسكو، وهما "حيوان القلب" (1994) و "ليتني لم أقابلني اليوم" (1996). وفي هذا العام عادت مولر إلى الماضي الذي عاشته في رومانيا بروايتها "أرجوحة النفس" التي تتناول ما واجهته الأقلية الألمانية في رومانيا من ظلم وعسف، وما تعرض إليه أفرادها من ترحيل قسري إلى الاتحاد السوفيتي.
هل معكِ منديل؟
إلى هذا الماضي الروماني عادت مولر أيضاً في كلمتها التي ألقتها مساء يوم الاثنين بمناسبة تسليمها الجائزة. طرحت مولر في البداية سؤالاً بدا تافهاً: "هل معكِ منديل؟" هذا السؤال كانت أمها توجهه لها دائماً قبل أن تغادر المنزل وهي بعد فتاة صغيرة. لم يكن معها منديل. غير أنها كانت في كل صباح تنتظر السؤال بلهفة، لأنه كان البرهان على أن الأم تشملها بعنايتها وحبها. كان السؤال يعني "حناناً غير مباشر."
المنديل كاستعارة بلاغية هو الخيط الأحمر في كلمة هيرتا مولر. إنه يرمز أحيانا إلى حب الأم وحنانها، وأحياناً إلى المشاعر الإنسانية حيثما لا يكاد يتوقعها أحد، مثلاً في معسكرات السخرة الستالينية التي قضى فيها صديقها الكاتب أوسكار باستيور خمس سنوات. "أود أن أقول جملة لكل الذين سُلبوا ويُسلبون كرامتهم في ظل الحكم الديكتاتوري"، هكذا اختتمت مولر كلمتها، متسائلة: "هل من الممكن أن يكون السؤال عن المنديل لا يعني المنديلَ أبداً – بل يعني الوحدة القاسية التي يكابدها البشر؟"
لسنوات طويلة لم تستطع هيرتا مولر أن تتحدث عما مرت به من خبرات وخوف مميت في رومانيا أثناء حقبة تشاوشيسكو. كانت الكتابة طوق النجاة الأخير بالنسبة لها. وبأعمالها استطاعت أن تعبر باقتدار عن كرامة الإنسان المسلوبة في عصور الطغيان. لم تقع في هوة اليأس، بل كان "الخوف من الموت" يثير لديها دائماً "الظمأ إلى الكلمات".
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: عبده جميل المخلافي