هيثم المالح: النظام السوري يترنَّح وسيسقط خلال أسابيع
٩ يناير ٢٠١٢السيد هيثم المالح، ماذا تستنتج من سير عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا حتى الآن؟
هيثم المالح: مبدأ إرسال مراقبين إلى سوريا هو مبدأ سليم، ولكن يجب أن يترافق مع تنفيذ المبادرة العربية، وهذا ما أدلى به وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، إذ قال إنَّ إرسال المراقبين يجب أن يترافق بتنفيذ المبادرة العربية، بمعنى سحب الآليات العسكرية من الشوارع والمدن والقرى ووقف القتل والسماح للمتظاهرين بالخروج سلميًا والسماح لوسائل الإعلام بالدخول لتغطية الأحداث. هذه هي النقاط الأساسية.
لكن النظام السوري لم يتَّخذ حتى الآن أي خطوة لتنفيذ المبادرة العربية؟
يقوم المراقبون العرب حاليًا بمراقبة التزام النظام بالمبادرة العربية وبروتوكول المراقبين الذي ينص على سحب المظاهر العسكرية من المناطق السكنية. وازدادت مؤخرًا حدة الانتقادات لبعثة المراقبين العرب بسبب استمرار العنف ضد المتظاهرين. المالح: النظام منذ صدور المبادرة العربية وحتى الآن مع وجود المراقبين لم يقبل بتنفيذ هذه الطلبات، لا يزال النظام يقتل المتظاهرين في الطريق، لا يزال النظام يعتقل المحتجّين من الشوارع والسياسيين من المنازل، كما لا يزال النظام يحتجز أكثر من مائة ألف متظاهر معتقل. إذًا على أرض الواقع فالنظام رفض المبادرة والبروتوكول. أنا لا يهمني إن كان وقَّع البروتوكول أم لم يوقِّع، فهو وقَّع على الورق إنما على أرض الواقع النظام لم يلتزم بالمبادرة العربية وبالتالي لم يلتزم بتنفيذ البروتوكول الذي يتضمَّن حماية المدنيين.
لكن هناك الآن على أية حال مراقبون دوليون في سوريا، ألا يوجد لبعثة المراقبين هذه أي أثر إيجابي؟
المالح: يوجد شيء إيجابي وحيد من المراقبين الذين ذهبوا إلى سوريا، وهو إيجاد شيء من الحماية، بمعنى أنَّ المراقبين يقيمون في البلد التي يدخلون إليها، فكلّ مجموعة تدخل إلى بلد مثلاً إلى حمص أو إلى حماة تدخل وتقيم في البلد وتنشئ مكتبًا للمراقبين وهذا المكتب يرفع علم الجامعة العربية. وهذا يشكِّل حماية جزئية للمواطنين؛ بمعنى أنَّه الآن يوم الجمعة الماضي (30 كانون ثاني/ديسمبر) كانت أكبر مظاهرات في سوريا، مظاهرات ضخمة جدًا بسبب وجود المراقبين على الأرض. هذه هي الميِّزة الوحيدة فقط ولا يوجد شيء آخر. ما يزال يستمر القتل ويستمر الاعتقال ويستمر منع قدوم وسائل الإعلام، لا يوجد شيء تحقَّق.
تسعى المملكة العربية السعودية ودول الخليج وإيران لمصالحها الخاصة في سوريا. فهل تعتقد أنَّ المنافسة بين هذه القوى الإقليمية وسعيها للتأثير على التطوّرات الداخلية في سوريا يمكن أن تؤدِّي إلى قتل جذور الديمقراطية في سوريا؟
يقول هيثم المالح "هناك نحو أربعين ألف منشق خارج الجيش. وهناك عشرات الآلاف من الجيش ينتظرون اللحظة المناسبة للانشقاق... وقد يقضي العسكريون على النظام". المالح: الثورة السورية لن تتوقَّف الاَّ بعد انتهاء النظام وهذه مسألة أصبحت محسومة. والآن مر على الثورة تسعة أشهر والشعب السوري منذ البداية قرَّر أن لا يعود إلى البيوت قبل أن يسقط هذا النظام الذي أصبح نظامًا غير شرعي. وكما تعلمون في القانون الدولي يكتسب أي نظام شرعيته من الشعب والآن الشعب على مستوى الساحة السورية كلّها في المدن والقرى قال لا للنظام، ارحل. بمعنى أنَّه فقد الشرعية وبالتالي هذا النظام غير شرعي كما أنَّه لا يملك الآن الشرعية ليسن أي قانون أو يصدر أي تشريع. ما يستطيع أن يفعله هو إدارة البلاد كالحكومة المستقيلة التي تكون مهمتها تصريف الأعمال لا أكثر ولا أقل إلى أن يرحل من سوريا وأي قرار أو مرسوم يصدره باطل وهو لا يملك سوى الإدارة الفعلية للبلد بحكم القوة فقط لا غير.
نعم، ولكن ماذا عن القوى الإقليمية الكبرى؟ هل سترضى هذه القوى بقيام نظام ديمقراطي في سوريا؟
المالح: السعودية يكمن دورها حتى الآن في إضعاف النظام وليس في تقويته، ولكن إيران صرَّحت فعلاً في أكثر من مناسبة أنَّها ستدعم النظام إلى النهاية. وهي في الحقيقة دعمت النظام دبلوماسيًا وسياسيًا وضغطت على العراق من أجل أن يدعم النظام ماليًا. ولكن مهما حصل فهذه هي حقنات تقوية لا تنفع للاستمرار وقد تنفع بصورة مؤقتة. وعلى المدى البعيد الاقتصاد السوري الآن تقريبًا في الحضيض، كما تعلمون لا يوجد سياحة، السياحة منتهية نهائيًا، ورشات العمل والمعامل معظمها توقَّفت وعدد كبير من العمال أصبحوا بلا عمل، الوضع الاقتصادي منهار والليرة السورية فقدت ثلاثين في المائة من قيمتها والأسعار مرتفعة جدًا. وهذه كلّها عوامل انهيار للنظام سيعقبها مع المظاهرات عصيان مدني. عندما يكون هناك عصيان مدني وإضراب شامل في سوريا فسيكون النظام خارج البلد نهائيًا. وأنا أقول طبعًا نحن لدينا انشقاقات كبيرة في الجيش وحتى الآن هناك نحو أربعين ألف منشق خارج الجيش. وهناك عشرات الآلاف من الجيش ينتظرون اللحظة المناسبة للانشقاق... وقد يقضي العسكريون على النظام بصيغة أو بأخرى.
بمناسبة ذكر الجيش؛ تزداد صعوبة تحديد الأطراف المتحاربة في سوريا. فما رأيك في الخوف من احتمال انزلاق سوريا إلى حرب أهلية؟
أعلن العقيد رياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر أنَّ جيشه سيستأنف العمليات العسكرية ضد قوات الأسد بعد انتهاء عمل بعثة المراقبين العرب. المالح: أنا لا أعتقد أنَّنا في الوقت الحاضر على حافة الحرب الأهلية. لكن إذا استمر النظام بالتجييش الطائفي والدفع باتِّجاه الطائفية قد نصبح في هذا المجال. ولكن حتى الآن الشعب السوري بالإجمال فوَّت على النظام هذه اللعبة، وحتى الآن الناس إلى حد بعيد خارج لعبة الطائفية، وحتى أنَّ العلويين وبالتحديد الطائفة العلوية ليست بمجملها مع النظام وبلا شك الفاسدون منها مع النظام. أنا أقول هذا النظام نظام فاسد جمع حوله كلَّ الفاسدين من كلِّ الأطياف من المسلمين السنّة ومن الدروز ومن المسيحيين ومن العلويين. الفاسدون الذين لهم مصالح مالية في البلد في سرقة البلد ونهب الثروات التفوا في حقيقة حول النظام ولكن باقي الناس لم يلتفوا حوله بما فيهم العلويون. والقسم الأكبر من العلويين لم يستفيدوا من النظام وبقيت مناطقهم مناطق محرومة وفقيرة. وبالتالي هم سيقولون لماذا ندافع عن عائلة الأسد؟ ما هي مصلحتنا في استمرار الدفاع عن آل الأسد؟ وهذه مسألة مهمة مطروحة الآن على بساط البحث وقسم كبير من العلويين يعملون مع المعارضة. وحتى الآن لا يوجد خوف ولكن إذا استمر الوضع أكثر مما هو عليه فقد ينهار من هذه الناحية.
ما هو تقييمك للعلاقة بين المتظاهرين السلميين والقوى المسلحة خاصة عناصر الجيش السوري الحر؟
المالح: الثورة في سوريا ثورة سلمية منذ بدأت. لكن الجيش مثلما تعرفون مهمته الأساسية هي حماية المواطنين وليس قتل المواطنين - الجيش والأمن وكلّ عناصر الدولة هم موظفون لدى الشعب ويأخذون رواتبهم من الشعب وبالتالي عليهم أن يحموا المواطنين. والآن بعض فئات من الجيش وبعض العناصر أو الكتائب الصغيرة من الجيش انشقَّت وكانت في الأساس تنشق بدون سلاح والآن تنشق مع أسلحتها بغرض حماية المدنيين. وهذا لا يُخرج الثورة عن سلميتها، تبقى الثورة سلمية وهؤلاء الناس يحاولون حماية المدنيين، الناس الذين يدافعون عن أنفسهم بمعنى عن مالهم وعن أعراضهم. أنتم تسمعون بالتأكيد أنَّ بعض عناصر الأمن أو الشبيحة يدخلون إلى البيوت ويسرقون الحلي والمصاغ والأموال ويبتزّون الناس ويغتصبون النساء والبنات... النظام لم يترك أي طريقة من الطرق الخسيسة والوضيعة إلا استعملها من أجل إخضاع الثورة وإخضاع الناس ولكنه لم يفلح. والآن انشق عدد من العسكريين من أجل حماية المتظاهرين. كما أنَّ بعض الناس عندما يهاجموا في بيوتهم قد يكونوا يدافعوا عن أنفسهم وهذه كلّها أعمال فردية صغيرة لا تخرج الثورة بمجملها عن السلمية. وتبقى الثورة سلمية.
ماذا تطلب في ظلِّ الأوضاع الراهنة من الاتحاد الأوروبي ومن ألمانيا؟
المالح: أنا في الحقيقة زرت كلَّ وزارات الخارجية في أوروبا في الفترة السابقة والتقيت عددا من وزراء الخارجية كما التقيت عددا من البرلمانيين والأحزاب والاعلاميين على مساحة أوروبا كلِّها. أنا طلبت مطالب محدَّدة: سحب السفراء الأوروبيين من دمشق وطرد السفراء السوريين الذين هم عبارة عن أدوات من أدوات الأجهزة الأمنية وليسوا دبلوماسيين، وكذلك وقف شراء النفط وهذا حصل طبعًا. وأنا سلمت الاتحاد الأوروبي قوائم تتضمن مائتي شخصية من هؤلاء الذين يمارسون القتل والأعمال المنافية لحقوق الإنسان في سوريا. والاتحاد الأوروبي وعد بأن تكون هناك أسماء عديدة تضاف والآن أصدر قرار بإدراج ستين شخصية تحت طائلة المحاصرة أو الملاحقة أو المنع من السفر أو مصادرة الأموال ووعدوا بأن يصل العدد إلى أكثر من ستين شخصًا. نحن نريد في الحقيقة محاصرة هذا النظام. يجب أن يشعر هذا النظام أنَّ لا أحد معه يصافحه في العالم.
الاتحاد الأوروبي له تجارب كثيرة قبلنا في الديمقراطية والثورات مثل الثورة الفرنسية وغيرها وهؤلاء واجبهم الأخلاقي الآن أن يدعموا الثورة السورية ويدعموا المعارضة السورية ويقوموا بكلِّ عمل يؤدِّي إلى عزل النظام عزلاً كاملاً. وألمانيا باعتقادي لها دور أساسي في بعض الدول العربية ولها كلمة لدى بعض دول الخليج. والآن نحن لدينا دولة الإمارات لم تسحب سفيرها بعد من سوريا، وهي تستوعب أموال هؤلاء اللصوص الذين يسرقون الشعب ويحوِّلون أمواله إلى هناك، ومنهم رامي مخلوف لديه الآن أحد الأبراج معروض للبيع بمائتين وخمسين ملون دولار وهذه ثروات خيالية مع الأسف الشديد. وكذلك دولة عمان - هاتان الدولتان لم تسحبا سفيريهما حتى الآن. وأنا أعتقد أنَّ الدبلوماسية الألمانية قادرة على أن تقدِّم شيئًا في هذا المجال. نحن نريد طرد السفراء السوريين من كلِّ مكان حتى يشعر النظام بأنَّه معزول لا أحد يكلمه. والباقي علينا.
برأيك إلى متى سيصمد نظام بشار الأسد؟
المالح: النظام يترنَّح يترنَّح وخلال أسابيع سيسقط. أنا أعتقد أنَّكم سمعتم رئيس المخابرات الأمريكية السابق أو الحالي زار العراق وقال لا تراهنوا على بشار الأسد فهو قد انتهى.
أجرت الحوار: مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
اعتقل المحامي هيثم المالح في الفترة من عام 1980 وحتى عام 1987 من دون اتِّهام ومن دون محاكمة بسبب سعيه كعضو في نقابة المحامين إلى رفع قانون الطوارئ المفروض في سوريا منذ عام 1963. وأسَّس في عام 2001 جمعية حقوق الإنسان في سوريا التي تضم سبعين عضوًا في كافة أنحاء القطر. وكان من المحامين الذين دافعوا عن معتقلي ربيع دمشق السياسيين عام 2001 ويعد حاليًا من أعضاء المجلس الوطني السوري المعارض.