هورست كولر: من اقتصادي بارع إلى سياسي محبوب
٧ ديسمبر ٢٠٠٦في سابقة قد تعد الأولى من نوعها في تاريخ ألمانيا الحديث يعتلي فيها رجل غير سياسي بالمفهوم الواسع أعلى منصب سياسي فخري في البلاد، حيث شغل هذا المنصب هورست كولر الذي انتخب رئيسا اتحاديا لألمانيا بعد أن كرس معظم حياته لخدمة السياسة المالية في ألمانيا وأوروبا وسائر العالم. ورغم أن تجربته في حلبة السياسة الداخلية الألمانية تكاد تكون محدودة، إلا أنه يمتاز بخبرات كبيرة ومهارات عالية في جوانب ومسائل أخرى. فقد استطاع خلال مسيرته المهنية أن يثبت جدارته العلمية والعملية في القطاع المالي وأن يحظى بتقدير عدد كبير من النخب السياسية والثقافية ورجالات الاقتصاد داخل ألمانيا، الذين رأوا فيه الشخص المناسب لاعتلاء هذا المنصب السياسي الرفيع. يذكر هنا أن هورست كولر ولد في 22 فبراير/شباط من العام 1943 في مدينة سكيربيتشوف البولندية وهو متزوج وأب لطفلين.
محطات مهمة في حياة كولر
في أواخر الحرب العالمية الثانية اضطرت عائلته إلى النزوح من مدينته البولندية هربا من القوات الروسية التي كانت تتقدم من الجبهة الشرقية نحو برلين. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها استقرت عائلته في ألمانيا الشرقية سابقا، حيث أمضى كولر بضعة أعوام من طفولته هناك قبل أن تنتقل عائلته إلى الإقامة في ألمانيا "الغربية" وتستقر في مدينة لودفيغسبورغ. وفي هذه المدينة تابع تعليمه الثانوي لتبدأ بعدها مسيرة التحصيل العلمي الجامعي والنجاح المهني. حصل كولر عام 1963 على الشهادة الثانوية والتحق عام 1965 بجامعة إيبرهارد كارلس في ولاية توبينغن، حيث درس العلوم الاقتصادية. وبعد إنهائه دراسته الجامعية بدأ عام 1969 العمل كمساعد بحث في معهد بحوث الاقتصاد التطبيقي في الجامعة ذاتها إلى أن التحق للعمل في وزارة الاقتصاد عام 1976. وخلال عمله في الحقل الاقتصادي حقق كولر عدة نجاحات مهنية بدأت بتعيينه عام 1981 مستشارا خاصا لرئيس وزراء ولاية شليسفيش هولشتاين، جيرهارد شتولتينبيرج، ليشق بذلك طريقه نحو أعلى المراتب الإدارية، حيث عين فيما بعد مدير مكتب وزير المالية ومدير إدارة المال والقروض.
وبعد الوحدة الألمانية استمرت مسيرة إنجازاته، فقد تولى عام 1990 منصب وكيل وزارة المالية، حيث أسندت إليه مسؤولية العلاقات النقدية والمالية. مثل هذه المهمات القيادية أهلته ليكون كبير المفاوضين في اتفاقية ماستريخت حول العملة الأوربية الموحدة عام 1993. وإلى جانب ذلك قام كولر خلال فترة عمله في تلك الوزارة بالتفاوض مع حكومة جمهورية ألمانيا الديموقراطية حول توحيد العملة الألمانية. كما تولى أيضا مهام التفاوض مع موسكو حول سحب قوات الاتحاد السوفييتي سابقا من جمهورية ألمانيا الشرقية مقابل تعويضات مالية باهضة.
مسيرة دولية حافلة
وامتدادا للمهمات القيادية التي أسندت إليه شغل كولر بين الأعوام 1983 و1998 منصب رئاسة الاتحاد الألماني لصناديق التوفير والحسابات الجارية قبل أن يتولى مهام رئاسة البنك الأوروبي التي مهدت له الطريق للعمل الدولي. لكن سرعان ما رشحه المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر عام 2000 لشغل منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي في واشنطن.
وبعد عمله لفترة تربو على عشرين عاما في القطاع الاقتصادي تمت تسميته في الرابع من مارس/ آذار 2004 من قبل الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب الليبرالي الديموقراطي كمرشح لشغل منصب رئاسة الجمهورية الألمانية خلفا للرئيس السابق يوهانس راو، ليصبح بعد تصويت البرلمان الألماني منذ 23 مايو/أيار 2004 على رأس الهرم السياسي الفخري في ألمانيا.
مهام الرئيس الاتحادي
تعد مهام الرئيس الاتحادي في ألمانيا في أغلبها مهاما تمثيلية ويتمتع الرئيس أيضا بصفة الحيادية بوصفه حارسا للدستور. ومن مهامه الفخرية والتمثيلية تسلم اعتماد أوراق السفراء. وعلى الرغم من ذلك فإن كولر قد اضطلع بمهام سياسية تكاد تحمل صفة القوة التنفيذية وذلك بعد أن قام المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر بطرح مسألة الثقة في البرلمان الألماني وفقاً للفقرة 68 من الدستور الألماني، ليصبح كولر قاضياً أكثر منه ممثلاً شكلياً للبلاد، ليكون هذا أهم قرار لرئيس فخري.