هل ينهي الغزو الروسي لأوكرانيا الحياد في أوروبا؟
٩ مايو ٢٠٢٢قوبلت تصريحات مسؤولين في فنلندا والسويد بشأن دراسة انضمام البلدين إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بترحيب من الحلف. وبدا ذلك جليا في تصريح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الذي أكد: "سيتم الترحيب بفنلندا والسويد بأذرع مفتوحة في الناتو".
واختارت فنلندا والسويد الحياد الدائم منذ زمن طويل،لكن يبدو أن الحرب في أوكرانيا قد تدفعهما إلى الانضمام إلى حلف الناتو.
كذلك، من الواضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يدفع فقط السويد وفنلندا إلى تغيير موقفيهما، إذ أن هناك دول أخرى محايدة ترى أن حيادها باتت على المحك في ظل التهديد الروسي الحالي.
وفي هذا التقرير تقدم DW نظرة عامة على أبرز الدول المحايدة في أوروبا وما طرأ عليها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
سويسرا.. المشاركة في العقوبات ضد روسيا
تعد سويسرا التجسيد الحقيقي لمبدا الحياد الدولي إذ تعتبر النموذج الأفضل للدولة المحايدة. ويعود حياد سويسرا إلى عام 1815 عندما تعهد القائمون على هذا البلد الأوروبي بالابتعاد عن النزاعات وعدم تقديم مرتزقة يحاربون إلى جانب أي طرف من الأطراف المتحاربة.
في المقابل، تعهدت الدول الأوروبية لسويسرا بضمان عدم انخراطها في أي نزاع على أراضي سويسرا وهو التعهد الذي اعتبره المؤرخ مايكل جيلر، أستاذ التاريخ في جامعة هيلدسهايم الألمانية، "مضمونا دوليا". وشدد على أن حياد سويسرا يمثل "اقوى حياد على الساحة الدولية على الإطلاق".
ورغم بدء روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير/ شباطـ، إلا أن حكومة سويسرا ظلت متمسكة بمبدأ الحياد وهو ما تمثل في رفض تزويد أوكرانيا بالأسلحة وأيضا رفض طلبات من ألمانيا لتسليم ذخيرة من صنعها إلى أوكرانيا.
بيد أنه في الثامن والعشرين من فبراير/ شباط، تراجعت سويسرا عن موقفها السابقوقررت تبني الحزمة الكاملة من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا.
وفي ذلك، يشدد جيلر على وجود فارق بين الحالتين، موضحا "المشاركة في عقوبات ضد الاتحاد الروسي خاصة كبار مسؤوليه مثل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين (ووزير الخارجية سيرغي) لافروف وليس فقط ضد طبقة الأوليغارش، يعد بالأمر الجديد، وسويسرا لم تفعل ذلك من قبل".
النمسا.. تعزيز قدرات الجيش
في عام 1955، أعلنت النمسا الحياد الدائم وهو كان يعد شرطا أساسيا لانسحاب قوات الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.
بيد أن تطبيق مبدأ الحياد قد طرأ عليه بعض التخفيف خلال السنوات الماضية حيث شاركت النمسا في مناورات عسكرية مشتركة مع أعضاء من حلف الناتو.
ورغم ذلك، يؤكد المؤرخ جيلر "أن مسؤولي الحكومة النمساوية لم يصدر منهم تصريحات أم لم يتخذوا أي موقف يدل على استعدادهم للتخلي عن الحياد والانضمام إلى الناتو حتى الآن، كذلك فإن معظم سكان البلاد لا يزالون يؤيدون التزام بلادهم بالحياد."
ومع ذلك، فقد ألقت الحرب في أوكرانيا بظلالها على النمسا حيث تعتزم الحكومة تعزيز قدرة الجيش.
أيرلندا.. دعم كييف "معنويا"
حافظت أيرلندا على حيادها منذ حصولها على الاستقلال عن المملكة المتحدة في عام 1921 حيث تمسكت بمبدأ الحياد طوال الحرب العالمية الثانية فيما لا تزال غالبية سكان البلاد تعارض انضمام بلادهم إلى حلف الناتو رغم تجدد النقاش حيال الأمر من الحين والآخر.
ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أكد رئيس وزراء أيرلندا مايكل مارتن في عدة مناسبات على حياد بلاد عسكريا، لكنه قال إن بلاده تصطف إلى جانب أوكرانيا سياسيا وأخلاقيا.
وتتشابه إيرلندا مع النمسا في أنهما ليسا عضوين في حلف الناتو، لكنهما ضمن دول الاتحاد الأوروبي الذي ينص في بند الدفاع المشترك على أنه "إذا تعرضت أي دولة عضو لعدوان مسلح على أراضيها، فيجب على الدول الأعضاء الأخرى الالتزام بتقديم العون والمساعدة بكافة الوسائل الممكنة".
السويد.. تزويد أوكرانيا بالأسلحة
رغم أن قرار السويد التمسك بمبدأ الحياد لم يُكرس في دستور البلاد، إلا أن الدولة الإسكندنافية لم تنخرط في أي نزاع منذ بداية القرن التاسع عشر. ومنذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، أكدت السويد على أنها دولة غير منحازة، ورغم ذلك فهي تشارك في مناورات مشتركة مع الناتو.
ويبدو أن الحرب في أوكرانيا أحدثت بعض التغيير في موقف حكومة ستوكهولمإذ قامت بتزود كييف بالأسلحة بما في ذلك الأسلحة المضادة للدبابات فيما تزايدت التكهنات بأن السويد إلى جانب فنلندا تدرسان تقديم طلب للانضمام إلى الناتو.
فنلندا.. طرق أبواب الناتو
أكد رئيس وزراء فنلندا السابق ألكساندر ستوب في مقابلة مع DW في نهاية مارس/ آذار الماضي أن فنلندا ستقدم طلبا للانضمام إلى حلف الناتو، لكن ليس في غضون أيام أو أسابيع وإنما في غضون أشهر قليلة.
وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن تزايد أعداد سكان البلاد المؤيدين للانضمام إلى حلف الناتو.
الجديد بالذكر أن فنلندا، التي نالت استقلالها من روسيا عام 1917، تتشارك حدودا مع روسيا تبلغ 1300 كيلومتر، فيما قال المؤرخ جيلر إنه في الماضي "كانت فنلندا قادرة على الحفاظ على استقلالها من خلال علاقة مع موسكو كانت توافقية".
لكن يبدو أن الحرب في أوكرانيا دفعت إلى حدوث تغيير في موقف فنلندا حيث قالت رئيسة وزرائها سانا مارين إن روسيا ليست "الجارة التي نتخيلها" حيث شددت على دعمها للانضمام فنلندا إلى الناتو.
وفي ضوء هذه الموقف، يرى مراقبون أن فنلندا باتت تصطف إلى جانب أوكرانيا خاصة بعد تزويدها بالأسلحة.
قبرص ومالطا.. إجراءات ضد الأوليغارش الروس
مع بدء غزو أوكرانيا، ترددت قبرص بعض الشيء في إدانة العدوان الروسي نظرا لأن الآلاف من الروس يعيشون في قبرص فيما ضخت طبقة أثرياء روسيا المقربين من بوتين والذين يُعرفون بـ "الأوليغارش" استثمارات تقدر بالمليارات في البلاد.
ومع ذلك، فقد اتخذت حكومة قبرص في الوقت الحالي موقفا متشددا ضد الشخصيات الروسية المدرجة في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي فيما قلصت منح "جوازات السفر الذهبية" للأثرياء الروس.
أما فيما يتعلق بقبرص، فقدمت مساعدات إنسانية - وليس عسكرية - إلى أوكرانيا فيما يحتدم النقاش في مالطا - الدول العضو في الاتحاد الأوروبي- حيال الحفاظ على مبدأ الحياد. وتزامن هذا مع اتخاذ سلطات قبرص خطوات لوقف بيع "جوازات السفر الذهبية" لأثرياء روسيا.
مولدوفا.. تزايد المخاوف
كرست مولدوفا مكانتها لدولة محايدة في دستور البلاد وذلك في عام 1994 بعد ثلاث سنوات من حصولها على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي على أمل أن يحول مبدأ الحياد دون وقوع أي توغل عسكري روسي في أراضي مولدوفا.
ورغم ذلك، لا تزال قوات روسية متمركزة في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية والخاضعة لسيطرة قوات انفصالية موالية لروسيا.
وعلى وقع وقوع سلسلة من التفجيرات في ترانسنيستريا مؤخرا، تنتاب السلطات والحكومة في مولدوفا مخاوف من قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام من هذه الأمور كذريعة لغزو هذا البلد.
ومنذ الغزو الروسي استقبلت مولدوفا المتاخمة للحدود الشرقية لأوكرانيا، أعدادا كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين.
وبعد أسابيع قليلة من الحرب، تقدمت مولدوفا بطلب للانضمام إلى الحرب فيما يعد انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مستبعدا في ظل استمرار تمركز قوات روسية في منطقة ترانسنيستريا هو ما أدى إلى تأكيد رئيسة وزراء مولدوفا على أن بلادها لا تخطط للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
البوسنة والهرسك.. آمال في الانضمام للناتو
رغم مرور ثلاثة عقود بعد حرب البوسنة، لا تزال حالة من عدم الاستقرار تعصف بدولة البوسنة والهرسك وسط مخاوف من أن تُقدم روسيا على التدخل في هذه الدولة التي شهدت إراقة دماء لم تشهدها أي دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
يشار إلى أن البوسنة والهرسك تعد أحدى شركاء حلف الناتو الذي منحها خطة عمل للعضوية. وتأمل سلطات البلاد في الانضمام إلى الحلف إلا أن الأمر دونه عقبات بسبب رفض الكيان الثاني في البلاد المتمثل في جمهورية صرب البوسنة "صربسكا" الذي يدعم روسيا وصريبا، أي فكرة للانضمام إلى الناتو.
وقد بدا ذلك جليا من تصريح زعيم حزب "تحالف الديمقراطيين الاشتراكيين المستقلين" الصربي، ميلوراد دوديك، مع بداية الحرب في أوكرانيا حيث قال: "تحيا صربيا وتحيا روسيا، وتحيا جمهورية صربسكا!".
صربيا.. استرضاء روسيا والسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
تعد صربيا دولة محادية بشكل رسمي لكنها تُعد موالية لروسيا بشكل تقليدي حيث أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا.
بدوره، يرى جيلر أن انضمام صربيا إلى حلف شمال الأطلسي يعد "أمرا مستبعدا إذ لا يزال قصف الناتو لصربيا عام 1999 عالقا في الأذهان كما أنّ صربيا مستاءة من استقلال كوسوفو."
ورغم ذلك، يشير المؤرخ إلى أن هناك مساع من "الجانب الصربي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن من غير المرجح أن يتغير موقفها المؤيد لروسيا في المستقبل القريب".
---
بيتر هيل / م ع