هل يمكن أن يظهر مثل ترامب في ألمانيا؟
١٢ نوفمبر ٢٠١٦كمواطن أميركي يعيش في ألمانيا، كان هناك طلب كبير على إجراء لقاءات معي من قبل زملائي بعد مفاجأة فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية. فمعظم الناس في برلين وبقية ألمانيا يعتقدون أن وصول شخص مستقل عن الجمهوريين إلى البيت الأبيض هو جزء من كابوس. وسؤال أصدقائي لي كان بعد سؤال "كيف حدث هذا هناك؟" هو "هل من الممكن أن يحصل هذا هنا (ألمانيا)؟".
اليمين الشعبوي آخذ في الارتفاع في ألمانيا وبقية أنحاء أوروبا، حيث أن النجاح الأخير الذي حققه حزب "البديل من أجل ألمانيا" AFD وحركة بيغيدا يشهد على ذلك. ومما لا شك فيه فإن جزءً من الشعب الألماني اليوم قد سئم من الوضع الراهن. وعلى الرغم من صعوبة وجود نسخة مطابقة تماماً لترامب في ألمانيا، إلا أن شخص كديتر بولن – نجم النسخة الألمانية من برنامج تلفزيون الواقع "أميركان آيدول"- قد يكون مناسباً لذلك.
لكن تكرار نموذج ترامب في ألمانيا مستبعد جداً لعدة أسباب، أهمها هو طريقة اختيار الأحزاب الألمانية مرشحيها للمناصب العليا. ففي الانتخابات الألمانية ليس هناك إجراءات تشبه ما يسمى في الولايات المتحدة بـ"الانتخابات التمهيدية"، حيث يقوم أي شخص بتسجيل نفسه عند حزبه كمرشح سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، أما مرشحي الأحزاب الألمانية الكبرى فيحددون وفقاً لاتفاقيات تفتح باب الترشح في كثير من الأحيان لمندوبين لم يتم انتخابهم سابقاً من أعضاء هذه المكاتب.
وفي ألمانيا يحق للأعضاء المؤسسين فقط في الأحزاب الألمانية إبداء الرأي بمن سيمثل الحزب في انتخابات مهمة. فلا يمكن لشخص أن يعلن نفسه عضوا في الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ CDU أو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD، ثم يتوقع أن يكون له رأي في شؤون الحزب، كما في الولايات المتحدة. لذا فإن مسألة المرشحين مرتبطة أكثر بأسماء الأشخاص الذين يديرون هذه الأحزاب.
ترامب كان من خارج الوسط السياسي في أميركا وحتى خارج الوسط السياسي للحزب الجمهوري قبل أن يعلن ترشيحه وقبول حزبه به بشكل نهائي وهو ينزل على الدرج الكهربائي في برج ترامب في 16 يونيو/ حزيران 2015. لكن في السياسة الألمانية الأمر مختلف، فأولاً: لا توجد مثل هذه السلالم المتحركة التصويرية، ثانياً: من المستحيل أن يسمح لدونالد ترامب فيما لو كان ألمانياً من أن يرشح نفسه عن أي من الأحزاب الألمانية القائمة، وليس هناك من فرصة ليصبح الشخص مستشاراً لألمانيا في حال ترشح كمستقل، لذا فإن أحلامه ستخيب.
نظام التحالفات والتوافقات
نظريا، يمكن أن يستغل ترامب شهرته لتأسيس حزب جديد أو القيام بدور مركزي في حزب مثل الحزب البديل من أجل ألمانيا AFD، مع السرعة الكبيرة لتزايد نموه مؤخراً، رغم أنه يفتقر لبنية تاريخية وداخلية واضحة. وهذا تماماً ما فعله أدولف هتلر عندما قَرَنَ صعوده السياسي مع الحزب النازي، ما أدى لوصوله إلى سدة الحكم في "جمهورية فايمار في عام 1933".
ولكن حتى داخل الأحزاب الشعبوية غير التقليدية، فإنه من غير المحتمل أن يصبح ترامب مستشاراً في جمهورية ألمانيا الاتحادية يوماً ما. فعلى عكس الولايات المتحدة، إن النظام السياسي الألماني لا يعمل وفقا لمبدأ "الفائز يأخذ كل شيء". بل إنه يسعى ليعكس بشكل متوازن وجهات نظر جميع الناخبين، بمن فيه أولئك الذي صوتوا لأحزاب لم تفز بالانتخابات أبداً ولم تكن جزءاً من البرلمان الاتحادي. لذلك، فإنه من الصعب أن نتخيل نظام حزبين في ألمانيا كذلك الموجود في الولايات المتحدة.
في ألمانيا كل حزب يحصل على أكثر من خمسة بالمئة من الأصوات في الانتخابات يتم تمثيله في البرلمان الألماني الاتحادي "البوندستاغ"، ولكي تتمكن هذه الأحزاب من أن تحكم بشكل صحيح عليها أن تتعاون فيما بينها. وخلال عمر الجمهورية الاتحادية البالغ 67 عاماً، تمكن حزب واحد فقط وهو حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU، جنبا إلى جنب مع أبناء عمومتهم في الحزب البافاري "الاتحاد المسيحي الاجتماعي " CSU، من الحصول على الأغلبية المطلقة وذلك بين عامي 1957-1961. بينما كانت كل الحكومات الأخرى عبارة عن تحالفات بين عدة أحزاب لا تقل عن ثلاثة، ليكون تقاسم السلطة بين حزبي "الاتحاد المسيحي الديمقراطي " CDU و"الحزب الديمقراطي الاجتماعي CSU المرة الوحيدة التي خلق تحالفاً يشبه نظام الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة.
لم يُعرف عن ترامب قدرته على العمل مع الآخرين، ولا قدرته على حل المشاكل ولعب دور الوسط، وحتى كزعيم حزب سياسي قوي. وإذا بقيت سياساته المتطرفة وطريقته التصادمية للغاية سيكون دونالد نموذجاً صعباً لاتخاذ شركاء في العمل.
وكما يبدو فإن التحالف الائتلافي سهل وواضح، كما وضح مثال هتلر. لكن في الجمهورية الاتحادية فإن تقاسم السلطة هو وسيلة للحد من الاستئثار بالحكم من طرف سياسي واحد. أحد أهم نقاط القوى عند ترامب هي الاعتقاد الشائع بأنه مخالف للنظام السياسي، لكنه على العكس من ذلك تماماً، لن يكون قادراً على الحفاظ على هذا الاعتقاد وقد يخسره أسرع من غيره. ما لم يكن قد حصل على الأغلبية المطلقة، وفي هذا أيضاً هناك فرق بين ألمانيا والولايات المتحدة.
"التشاركية" في مواجهة "الفائز يأخذ كل شيء"
أصدقائي الألمان لا يتفهمون الكثير من جوانب النظام الأمريكي ويجدون صعوبةً في فهم نظام يأخذ فيه الفائز كل شيء، ليس لدى الفائز خيار سوى الحصول على أغلبية أصوات الناخبين، كما كان الحال في نتائج المرة الثانية من الدورة الانتخابية الخامسة يوم الثلاثاء، حيث كسبت كلينتون في استطلاعات الرأي بنسبة 47.6 في المئة مقابل 47.3 لصالح ترامب، لكن على ما يبدو فإن الجمهوريين قد حشدوا الأغلبية الصامتة وفقاً لهذه النتائج. فيما لم يكن ناخبو ترامب من الأغلبية الصامتة، ولا من الأغلبية أصلاً.
فاز ترامب في مجموع الانتخابات، التي تقوم على أساس جمع نتائج انتخابات كل ولاية بولايتها. لكن لكي يصبح السياسي مستشاراً لجمهورية ألمانيا الاتحادية يجب أن يحصل المرشح على أغلبية الأصوات في البرلمان الاتحادي، بناء على نسبة ما حصل عليه كل مرشح بشكل منفصل في كل منطقة ومن قبل كل حزب بشكل عام. الألمان يصوتون عادة مرتين، مرة لعضو البرلمان حسب المنطقة، والآخر للحزب الذي يدعمه الناخب، وبعض الناس يختارون أن يفصلوا بين هذين الصوتين.
نظام الانتخابات بحسب كل ولاية المعتمد في الولايات المتحدة يميز بين أهمية الولايات ولا يسمح للناس في الأماكن الصغيرة أن تقول كلمتها كما في الولايات الكبيرة كنيويورك مثلاً، أما في النظام الانتخابي الألماني مع عدم وجود نظام التمييز بين الولايات، فإنه يعكس رغبات الشعب ككل فيما يتعلق باختيار المستشار، حتى لو كان الألمان لا ينتخبون مباشرة المستشار للجمهورية الاتحادية، ولكن عملياً حتى هذا لا يحدث في الولايات المتحدة.
وكقاعدة عامة، المستشار في ألمانيا الاتحادية يأتي من الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات، على الرغم من أن بعض التحالفات يمكن أن تعقد الوضع، ومنذ العام 1976 لم يصل أحد إلى منصب المستشار دون الحصول على أغلبية الأصوات. وعلى سبيل المقارنة، منذ عام 2000، تمكن الحزب الجمهوري من الوصول للحكم مرتين دون توفر عدد كافي من الأصوات، ولو كان النظام في أميركا قائم على أن أميركا دائرة انتخابية واحدة لكانت كلينتون ربما فازت بفارق ضئيل الثلاثاء الماضي.
الأمريكيون اليوم كما يبدو يفضلون الجمهوريين أكثر، وفي هذا التقاطع التاريخي يمكن القول أن أصحاب التوجهات اليمينية الشعبوية والشخصيات الصغيرة غير تلك السياسية التقليدية أصبحت أكثر جاذبية. عندما انتقلت من الولايات المتحدة إلى ألمانيا قبل 20 عاما، لم أكن أقيم أي اعتبار للاختلافات في النظامين السياسيين بين ألمانيا والولايات المتحدة. لا يمكنني القول بان النظام الألماني كامل، لكن عندما ألفت نظر البعض لبعض الاختلافات أجد أنه أفضل بكثير من الأميركي خاصة من ناحية الطريقة التي ينتخب فيها الألمان قادتهم.
جيفرسون تشيس/ ر.ج (DW)