هل يمكن أن تنتقل عدوى أحداث لندن إلى ألمانيا؟
١٦ أغسطس ٢٠١١مشاهد الشباب الغاضب وهو يشعل النيران ويخرب ويسرق المحلات التجارية في الشوارع البريطانية لم تصدم فقط البريطانيين، لكن آثارها امتدت لتشمل دولاً أوروبية، وبدأ الشارع الألماني يتساءل فيما إذا كانت أحداث مماثلة قد تتكرر في بلادهم.
مصباح، الشاب الفلسطيني المقيم في ألمانيا منذ نحو عام، لا يعتقد أن هذا الأمر وارد لأن الاقتصاد الألماني في رأيه أفضل من مثيله في بريطانيا. ويتفق مصباح في ذلك مع رأي البروفسور سيمون توينه، المتخصص في مجال الاحتجاجات الشعبية بالمركز العلمي في برلين والذي يرى أن المظاهرات الألمانية عادة ما تتعلق بموضوعات مثل الطاقة الذرية وليس بأمور اجتماعية. ويعلل توينه ذلك بأن الأزمة المالية لم تصل بعد للأفراد من ناحية، ولأن الألمان "يشعرون أن حياتهم ونجاحهم من مسؤوليتهم الشخصية وليسا مسؤولية الدولة" من ناحية أخرى.
"الشرطة الألمانية أكثر تأهيلاً واستعداداً"
أما مي، الشابة المصرية التي تدرس في برلين منذ سبع سنوات فهي وإن كانت ترى أن هناك شباب أجانب لا يجدون فرصاً جيدة ولا يشعرون بالانتماء، إلا أنها لا تتوقع أن تتكرر أحداث بريطانيا في ألمانيا في المستقبل القريب "لأن الدولة الألمانية مسيطرة بشكل أكبر والشرطة أكثر تأهيلاً".
ويوافقها الرأي الدكتور رالف غضبان، الباحث والكاتب في شؤون الاغتراب والهجرة في ألمانيا، موضحاً أن ألمانيا مرت بمرحلة صعبة بعد انهيار الجدار، حيث تم القضاء على البنية الاجتماعية في كل المدن الألمانية الشرقية ووصلت البطالة إلى 70 بالمائة، فأصبح الشباب في الشارع وكونوا العصابات وبدأوا في إرهاب الناس. لكن "هذه المرحلة استوعبت ومضت"، على حد قوله.
"إذا ما أهينت الكرامة يمكن للمرء القيام بأي شيء"
أما سلوى محمد المغربية الأصل ومؤسسة ومديرة جمعية "صناع الحياة" الخيرية، فهي وإن كانت ترفض أعمال العنف التي قام بها الشباب في بريطانيا، إلا أنها ترى أن الأهم من محاسبة هؤلاء الشباب هو محاولة تفهم الأسباب التي تدفعهم للقيام بهذه الأعمال. وتقول في هذا السياق: "دائماً ما ننسى أن حتى هؤلاء الذين قاموا بتلك الأعمال الفوضوية والإجرامية هم في النهاية بشر. والسؤال الذي يجب علينا أن نطرحه قبل أن نحاسبهم هو ما الذي دفعهم لإيذاء أشخاص آخرين؟ وما الذي أوصلهم إلى هذا المستوى؟"
وفي رأيها أن ما يدفع الشباب للقيام بهذه الأعمال هي المشاكل الاجتماعية والأسرية بالإضافة إلى شعورهم بالرفض من المجتمع والحرمان حتى من حقوق بسيطة وأساسية بالإضافة إلى وصفهم من قبل المسؤولين بأن لا قيمة لهم. "وإذا ما أهينت كرامة المرء لا يبقى له شيء يخسره، فيقوم بأعمال غير محسوبة العواقب". وتضيف الناشطة في مجال حقوق الإنسان أنها ترى أنه يوجد مثل هؤلاء الشباب بكثرة في ألمانيا، وكون الشرطة مؤهلة لمقوامتهم فهذا لا يعني أنهم غير موجودين.
"العنف موجود في ألمانيا أيضاً"
وتضيف مديرة جمعية "صناع الحياة" الخيرية أن من بين هؤلاء الشباب بعض اليمينيين المتطرفين الذين يكرهون الأجانب وبينهم أيضاً بعض الأتراك والعرب الذين لا يشعرون بالقبول في المجتمع، ويتعرضون للتمييز على حد قولها. وتضيف بالقول: "بحكم عملي أرى هذه المشكلة أحياناً، حيث يتقدم شاب للعمل ويرفض بمجرد معرفة اسمه، وقد يُفضل عليه شخص ألماني حتى وإن كانت درجات دراسته أقل". لذلك فهي ترى أنه لا يجب الاكتفاء بالحديث عن الاندماج دون الحديث عن المشاكل الموجودة لدى هؤلاء الشباب وأنه لا يجب "أن نغلق أعيننا ونقول إن مثل تلك المشكلات لا يمكن أن تحدث في ألمانيا".
ورأي سلوى يتطابق مع رأي راينر فيندت، مدير نقابة رجال الشرطة في ألمانيا، الذي يقول: "السياسيون خبراء في إخفاء الحقائق، ولا يفعلون أي شيء للحيلولة دون اتساع موجات العنف. أرى أن الظروف التي أدت إلى أعمال العنف موجودة في ألمانيا أيضاً". وبهذه الظروف يقصد فيندت سياسة الخصخصة والاهتمام بأرباح الشركات الخاصة أكثر من المسؤولية الاجتماعية للدولة ونقص الاندماج الاجتماعي، ويضيف :"نحن نرى ازدياد العنف أسبوعياً في كل مباريات كرة القدم وفي المظاهرات المختلفة".
صورة المهاجرين السلبية في المجتمع
هذا العنف تشعر به مي يومياً في محطات المترو وداخله، حيث تجد الشباب يتشاجرون، ويؤسفها أن معظم هؤلاء من المهاجرين وأن بينهم الكثير من العرب والأتراك. وتقول في هذا السياق: "ما تفعله هذه الفئة من الشباب تؤكد للألمان مخاوفهم من كون الأجانب هم السبب في العنف".
ويؤكد مصباح هذه الملاحظة مشيراً إلى أنه لا يجد مبرراً لعنف الأجانب لأنه رغم المدة القصيرة التي قضاها في ألمانيا، يرى أن المجتمع الألماني منفتح ويتقبل الأجانب بشكل كبير وأنه "تخلص من عقود النازية وأصبح من أكثر الشعوب تقبلاً للأجانب بل ويحاول دمجهم بشتى الطرق". ويشير في هذا الإطار إلى المبادرات المختلفة التي تقام لدمج الأطفال الأجانب والمهاجرين الجدد في برلين وحدها.
من ناحية أخرى ينتقد مصباح السلوك غير السليم لكثير من المهاجرين، حيث يرى أنهم يسيئون استخدام الحرية الممنوحة لهم وبدلاً من احترام قوانين الدولة التي "احتوتهم ومنحتهم حقوقاً كانوا محرومين منها في دولهم الأصلية" إلا أنهم لا يحترمون هذه القوانين ولا يحترمون النظام، فتجدهم أكثر من يخرب ويلقي بالمهملات في الشوارع.
غضبان الذي يعمل في مجال الاندماج منذ سنوات، يرجع هذا السلوك السلبي من بعض الفئات من الأجانب، لكون هؤلاء الأجانب "عزلوا أنفسهم بأنفسهم عن المجتمع"، رغم محاولات الدولة لدمجهم ومساعدتهم إلا أنهم لا يساعدون أنفسهم.
كما يشير الخبير في شؤون الهجرة بألمانيا، إلى أن الوضع الاقتصادي في ألمانيا يسمح باستيعاب كثير من العاملين وأن الصناعة تبحث عن متدربين ولا تجد، وهذا يرجع إلى أن هؤلاء المهاجرين يتركون المدرسة بلا شهادة وبالتالي "فليس لديهم فرصة في دولة تهتم بالعلم وتقدره". ويوضح غضبان أن نسبة العرب الذين يتركون المدارس دون الحصول على شهادة، مرتفعة جداً. ويشدد على أنه في حال حصول الأجنبي على مؤهل دراسي، فهو لا يجد أي صعوبة لإيجاد عمل، وهو يعرف شخصياً الكثير من الأمثلة المشرفة.
إلا أن سلوى محمد ترى أن كثيراً من هؤلاء الشباب لا يجدون الفرصة رغم محاولاتهم للاندماج، كما أنها تشير إلى أنه يجب تفهم الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيش فيها بعضهم خاصة من ينتمون لأسر كبيرة العدد، أو أبناء المهاجرين الأميين الذين لا يستطيعون مساعدة أبنائهم على إكمال تعليمهم. ولذلك تعتقد الخبيرة الاجتماعية أن أول خطوة لمساعدتهم بالفعل هي الاستماع لمشاكلهم ومحاولة تفهمهم وتختم بالقول: "لا يجب ألا ننسى أنهم أطفال في الثالثة عشر والرابعة عشر من عمرهم وهم بحاجة لتفهم ومساعدة".
سمر كرم
مراجعة: عماد غانم