قضية خاشقجي تغير صورة محمد بن سلمان في الغرب وربما تطيح به
١٦ أكتوبر ٢٠١٨بعد تسع ساعات قضاها فريقا التحقيقات التركي والسعودي في مقر القنصلية السعودية بتركيا، أكدت مصادر في مكتب المدعي العام التركي أن هناك أدلة على مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخلها.
وفي الوقت الذي ذكرت فيه شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية أن الرياض تعد تقريراً يفيد بأن خاشقجي قُتل خلال استجواب تم بشكل خاطئ، وأن المقصود كان اعتقاله، أفادت وسائل إعلام سعودية أن السلطات ستستدعي فريقاً يُتهم بتورطه في اختفائه.
تأتي عملية تفتيش القنصلية عقب دعوة من مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كل من السعودية وتركيا أمس الاثنين الثلاثاء (15 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) إلى الكشف عن جميع المعلومات المتعلقة باختفاء خاشقجي، مضيفة أن الحصانة يجب أن تُرفع عن المقار الدبلوماسية والمسؤولين والقيام بعمليات التفتيش.
"السيد منشار العظم"
وبحسب ما ذكره موقع قناة الجزيرة القطرية نقلاً عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بات يلقب في واشنطن بـ"السيد منشار العظم"، عقب قضية اختفاء خاشقجي، وسط أنباء عن مقتله وتقطيعه بمنشار.
وفي ظل تلك التطورات، هناك العديد من التساؤلات التي ربما تلقي ضوءاً ليس بالجيد على مستقبل المملكة السياسي والاقتصادي وعلاقاتها بالغرب. فبغض النظر عن الشكل الذي ستظهر به قضية خاشقجي، خاصة بعد اعتراف السعودية بوقوع خطأ من "قتلة مارقين"، فمن المحتمل أن تظل صورة ولي العهد محمد بن سلمان باقية في الأذهان كقاتل لصحفي ومواطن سعودي.
يرى الدبلوماسي الأمريكي السابق، الدكتور نبيل خوري، في حوار خاص مع DW عربية من واشنطن، أن الأسرة السعودية الحاكمة أو محمد بن سلمان لن تكون بمنأى عن التداعيات السلبية لهذه القضية، إذ بات من الواضح أن أمريكا والسعودية توصلتا إلى حل وسط ولكنه غير منطقي. ويفسر خوري قائلاً: "طلبت أمريكا من السعودية أن تخرج باعتراف بما جرى لخاشقجي وألا تستمر بالإنكار، وذلك كي تخفف وطأة المعارضة القوية داخل أمريكا".
معركة خاسرة
كما أوضح خوري، الذي يشغل أيضاً منصب كبير باحثي الشرق الأوسط والأمن القومي في مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى تركيا جاءت لكي تقبل تركيا مساعدة الرياض في هذه القضية ولا تكشف كل المعلومات التي تعرفها، بحسب قوله. وأضاف أن محمد بن سلمان "خسر معركة الرأي العام والتي كلفته الملايين كي يلمع صورته الشخصية وصورة السعودية، خاصة في واشنطن".
ولطالما عرف ولي العهد السعودي في الغرب بأنه مصلح للنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السعودية، فماذا سيتبقى من تلك الصورة بعد قضية خاشقجي؟ يجيب خورى عن هذا التساؤل مؤكداً أنه لن يتبقى من صورة بن سلمان شيء سوى في أذهان بعض المستفيدين. وبحسب قوله، فهذا "للأسف يشمل بعض السياسيين والإعلاميين وبعض مراكز الأبحاث التي استثمرت فيها السعودية والإمارات الكثير من الأموال خلال العامين الماضيين".
وكان الصحفي زيد بنيامين، المقيم في واشنطن، قد نشر في تغريدة له على موقع "تويتر" مقطع فيديو لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي غراهام يدعو فيه السعوديين لاختيار بديل عن بن سلمان.
هل تكتب قضية خاشقجي نهاية بن سلمان؟
يرى الدكتور نبيل خوري أن أمريكا في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب لا تريد أن تغير شيئاً في سياستها مع السعودية، فترامب نفسه غير مستاء مما حدث. لكنه يستدرك بأن ثمة ضغوطاً سياسية تضطره إلى التصرف حيال القضية واتخاذ موقف ما. ويضيف خوري: "أعتقد أن العلاقة لن تتغير بشكل جذري بين المملكة وأمريكا، ولكن لن يُفرض على السعودية أن تغير قيادتها، فهذا أمر يخصها".
وعن تداعيات الموقف داخل السعودية، أوضح خوري أنه ربما يستنتج الملك سلمان أن وضعه لابنه في هذا المنصب الرفيع ربما يكون تصرفاً سابقاً لأوانه. أما بالنسبة للأسرة الحاكمة بشكل عام، فيمكن أن تطالب بتغيير القيادة الحالية، إذ أن تلك التصرفات ليست في مصلحة السعودية، وفقاً لخوري.
وبسؤاله عن إمكانية تمسك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعلاقته بالسعودية رغم ما يحدث، أشار خوري إلى أنه إذا لم يجبره الكونجرس على تغيير هذه السياسة، فإنه سيستمر بها. ولفت إلى أنه في تلك الحالة سيصبح الوضع بينه وبين بن سلمان مثل الوضع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكانت الجهات الرسمية كلها قد اتهمت بوتين بالتأثير على سير الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز بها ترامب، ولكن ترامب لا يزال حتى اليوم يدافع عن بوتين بسبب مصالح شخصية لم تكشف كلها بعد، طبقاً لما ذكره خوري في حديثه لـDW عربية.
"كبش الفداء"
وفي السياق ذاته، كان الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان، في مقال لصحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية، قد تساءل قائلاً: "َالأسئلة المطروحة بقوة الآن هي عن "كبش الفداء" الذي سيتم التضحية به لرفع أي لوم عن العاهل السعودي وولي عهده والمسؤولين الكبار في المملكة، وما هو الثمن الذي سيتم دفعه لتركيا وللولايات المتحدة مقابل المساعدة في "لفلفة" هذه الجريمة وطوي صفحتها؟"
وأضاف عطوان في نفس المقال: "للإجابة على هذه الأسئلة أو بعضها، علينا الرجوع إلى قضية لوكربي والصفقة التي جرى التوصل إليها لإنقاذ العقيد معمر القذافي ورفع الحصار الخانق عن ليبيا".
ومن جهة أخرى، ترى الباحثة في شؤون الشرق الأوسط آنا زونيك، من المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية (GIGA) في هامبورغ، أنه بغض النظر عن كيفية انتهاء القضية، فإن الوضع يبدو سيئاً للغاية بالنسبة لمحمد بن سلمان، فهو على حد تعبيرها "في ورطة، لأنه يبدو غير كفؤ وليست لديه فكرة عن المتورط الحقيقي تلك القضية: هل هي خدماته الاستخبارية أم قتلة مارقون؟" لكن زونيك تعتبر أن من غير المرجح أن يتنحى بن سلمان: "ولكن على أي حال ، فإن الأطراف المسئولة عن هذا الحادث يجب أن تخضع للمساءلة ويجب أن تكون تلك الأطراف في مناصب قيادية. يجب أن يكون هناك إعلان كامل لكافة التفاصيل".
سارة إبراهيم