هل يستغل الكرد الوضع الحالي في العراق لإعلان دولتهم؟
١٥ يونيو ٢٠١٤تغنى شعراء بها على مدى أجيال. وتحصن مقاتلون في جبالها على مدى عقود من أجل السيطرة عليها. ولكن عندما استولت القوات الكردية الآن على مدينة كركوك بدا الأمر وكأن حلم الآباء في طريق التحقيق، تم ذلك خلال ساعات، ودون إطلاق رصاصة واحدة. لقد انهارت سيطرة بغداد على شمال العراق أمام هجوم متشددين سنة، مما أتاح للأكراد السيطرة على المدينة التاريخية التي يعتبرونها مركزا محوريا بالنسبة لهم فأصبحوا فجأة أقرب من أي وقت مضى إلى هدفهم المنشود، وهو إقامة دولة مستقلة خاصة بهم. وبعد سيطرة مقاتلين من تنظيم "داعش" على الموصل، أكبر مدينة في شمال العراق وتحركهم نحو العاصمة بغداد، لم يضع المقاتلون الأكراد وقتا في الحشد.
لقد سيطر المقاتلون الأكراد بشكل كامل على كركوك وعلى بعض الأراضي المحيطة وبذلك بسطوا سيطرتهم على 40 % من الأراضي دون اللجوء إلى خوض معركة واحدة. وتشمل الأراضي الجديدة حقول نفطية يعتبرها الأكراد حقا لهم وأساسا لأقامة أي دولة مستقلة لهم في المستقبل. كما استولى الأكراد على القواعد التي هجرها الجيش العراقي في كركوك وعلى كل ما تركه من أسلحة وأجهزة تكييف ومركبات مدرعة وآليات بشكل أعاد إلى الأذهان المشاهد التي أعقبت سقوط صدام حسين عام 2003.
في الوقت الراهن لا يزال المسؤولون الأكراد يدرسون خياراتهم بالنسبة للخطوات المقبلة، غير أنهم أوضحوا أن التسوية التي أبقت العراق كدولة واحدة تمزقت الآن. وقال فؤاد حسين رئيس ديوان الرئيس الكردي مسعود البرزاني لرويترز إن العراق دخل مرحلة جديدة تختلف تماما عن وضع ما قبل سيطرة (داعش) على الموصل وأن الأكراد سيبحثون كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد في العراق.
منذ ترسيم خريطة الشرق الأوسط الحديث في القرن الماضي يسعى الأكراد البالغ عددهم 30 مليونا والمنتشرون بين العراق وإيران وسوريا وتركيا إلى إقامة دولة لهم. ومنذ سقوط صدام أصبح أكراد العراق وعددهم أربعة ملايين هم الأقرب لتحقيق حلمهم هذا. فهم يتمتعون هناك بحكم شبه مستقل في منطقة جبلية نائية تنعم نسبيا بالهدوء في إطار اتفاق مع بغداد، يضمن لهم 17% من مجمل ثروة العراق النفطية. وقد أتاح هذا التحويل إلى ازدهار العاصمة الإقليمية اربيل في وقت لازالت فيه بغداد ساحة حرب تتناثر فيها القمامة والأسلاك الشائكة والجدران الأسمنتية.
منذ سقوط صدام شغل الأكراد منصبي رئيس البلاد ووزير الخارجية في الحكومة المركزية في بغداد. كما ساهمت الأحزاب السياسية الكردية دور إضفاء صورة الشمولية على الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة.
والان وبعد أن تمكن الأكراد من ضم كل المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية،ومع استمرار الفوضى في المناطق العربية، بسبب الصراع الطائفي، يبدو أن الأكراد يتطلعون إلى تحقيق الفرصة التاريخية التي ما فتئوا ينتظرونها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بهدف إعلان دولة كردية مستقلة. غير أن القيادات الكردية تؤكد على أنها تركز في أولوياتها حاليا على عزل الإقليم عن التداعيات العنيفة التي تهز أنحاء كل العراق. وتعتقد إيما سكاي وهي مستشارة سياسية سابقة للجيش الأمريكي في العراق أن بعض القادة السياسيين الأكراد ربما كانوا ينتظرون انهيار النظام الحاكم في بغداد. فهم راهنوا على انهيار رئيس الوزراء نوري المالكي رغم مساعدتهم له. وأضافت "بالنسبة للأكراد يرى بعض الزعماء أن الاستقلال الكردي سيتحقق مع انهيار العراق وان المالكي هو الشخص الذي سيدمر العراق على الأرجح. الاستقلال أصبح وشيكا بالنسبة لهم."
قام الأكراد ببناء دفاعاتهم من خلال إقامة حزام أمني يمتد لأكثر من ألف كيلومتر من الحدود الإيرانية وحتى سوريا ويدور حول الموصل، وهي مدينة تعدادها نحو مليوني نسمة ولا يبدو أن لدى الأكراد النية للدخول في حرب من أجلها. وكان مسؤول أمريكي سابق قد اعتبر أن الأكراد "ليسوا مهتمين بالموصل. سيواصلون التوسع لما بعد الخط الأخضر وستكون كثيرا من هذه الأراضي مرتبطة بالنفط."
وقد ينطوي ذلك على خطر حدوث مواجهة بينهم وبين مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام وبالتالي الوقوع في حرب عملوا على تجنبها منذ أكثر من عقد. وتقول الخبيرة سكاي " إن الخطر بالطبع يكمن في أن تقدم الدولة الإسلامية في العراق والشام نفسها على أنها المدافع عن السنة في (المناطق المتنازع عليها) فتبدأ معركة مع الأكراد قد تكون بداية حرب بين العرب والأكراد". وبالنسبة للمسؤولين الأكراد فإن خطر اندلاع صراع جديد مع المتشددين المسلحين أمر يستحق المخاطرة. وذكر مصدر في الحكومة الإقليمية الكردية طالبا عدم نشر إسمه" إن الجميع يشعر بالقلق، غير أن هذه فرصة كبيرة بالنسبة لنا. (فمجموعة) الدولة الإسلامية في العراق والشام منحتنا خلال أسبوعين ما لم يمنحنا المالكي على مدى ثماني سنوات".
ح.ع.ح/ ع.ع (رويترز)