السلطة المصرية تضحي بدولة "القانون" من أجل المصالح
١٩ يناير ٢٠١٥برز في الفترة الأخيرة عودة بعض رجال الأعمال المرتبطين بعهد مبارك للظهور مرة أخرى، خاصة مع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية، في الوقت الذي تصالح بعضهم مع الدولة بدون صدور معلومات كثيرة حول هذا الملف.
ومع اقتراب عقد مصر لمؤتمر دعم الاقتصاد المصري في مارس المقبل، يتجه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لإصدار عدة قوانين لتحسين بيئة الاستثمار، إلا أن مراقبين ومحللين أكدوا أن بعض هذه الإجراءات تأتي على حساب إقامة دولة القانون، خاصة أنه سبقها صدور قوانين أخرى في مجال الاستثمار تسمح بالتصالح في جرائم الفساد والاستيلاء على المال العام، وذلك خارج نطاق المحاكم، وهو ما قد يمهد للتساؤل حول استعادة رجال أعمال مبارك نفوذهم في ظل نظام السيسي.
ومؤخرا وبالتحديد في 13 يناير الجاري، قبلت محكمة النقض الطعن المقدم من الرئيس الأسبق حسني مبارك علي سجنه لمدة 3 سنوات، في القضية المتعلقة باستيلائه ونجليه على أكثر من 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية.
وكان وزير العدل المستشار محفوظ صابر قد قال في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي إن الوزارة قامت بتعديلات علي قانون الكسب غير المشروع لمجلس الوزراء أهمها ما يتعلق بالتحفظ والتصالح مع رموز الانظمه السابقه، مشيرًا الي ان محامي حسين سالم عرض الصلح اكثر من مره ولكنه لم يقدم طلبًا للتفاوض حتي الآن ولكنه اذا تقدم سيتم استرداد الكثير من الاموال، قائلا:" هناخد ايه من سجن حسين سالم؟".
"المجلس العسكري بدأ فكرة التصالح والإخوان أبقو الوضع كما هو عليه"
يؤكد عمرو عدلي الباحث الاقتصادي بمركز كارنيجي للسلام الدولي أن عودة رجال أعمال مبارك أمر له دلالات وعواقب أهمها مخالفة السلطة للقانون.
ويوضح عدلي في حديثه لدويتش فيله قائلا: "نحن أمام جزء كبير من الصفقات التي تمت في عهد مبارك من تخصيص الأراضي وخصخصة الشركات والذي تم بشكل غير شفاف ومخالف للقانون أحيانا، فضلا عن ممارسات شابها الفساد، وبعد ثورة 25 يناير عندما بدأت القضايا ضد هؤلاء رجال الأعمال تعطلت عجلة الاستثمار لفترة وخشى المسئولون من اتخاذ أي قرارات فبدأ المجلس العسكري حينها في وضع إطار للتصالح مع رجال الأعمال وأصدر قرار رقم 4 في شهر يناير 2012، والذي ركز على فكرة رد الأموال، ويترتب على تمام التصالح انقضاء الدعوى الجنائية".
وأضاف أن مجلس الشعب الذي كان يسيطر عليه الإخوان بعد الثورة أبقى الوضع كما هو عليه وسعى للتصالح مع رجال الأعمال في عهد مبارك، واستمر الوضع بعد 30 يونيو حيث صدر قانون تحصين العقود وخرج القضاء الإداري.
وكان الرئيس السابق عدلي منصور قد أصدر قانونا بتحصين عقود الحكومة مع المستثمرين، وحرمان المواطن من حقه فى الطعن على هذه العقود حماية للمال العام ، وقصر الطعن على طرفى التعاقد فقط ، واعتبر البعض أن ذلك يفتح الباب على مصراعيه للفساد خاصة فى ظل بيع معظم شركات القطاع العام بأسعار لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية.
وحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن مصر تفقد سنويا أكثر من 40 مليار جنيه بسبب الفساد.
وحصلت مصر العام الماضي في مؤشر منظمة الشفافية الدولية لـ"السيطرة على الفساد"، على 37 من 100 مقارنة بـ32 من 100 في عام 2013، من حيث الدول الأقل فسادًا، فيما يتعلق باستغلال السلطة والنفوذ للمصالح الشخصية، ليتحسن ترتيبها لـ94 بدلا من 114.
"السلطة تضحي في طريق المصالحات بإقامة دولة القانون"
واعتبر عدلي أن خطوة التصالح مع رجال الأعمال بأنها محاولة لتقديم كل الضمانات والتطمينات حتى يعود رأس المال عن طريق إضفاء تأمين على الصفقات وعلى أطرافها، حتى لو كان على حساب القانون ومخالفته، وتعطيل الرقابة الوحيدة وهي القضائية، خاصة أن هؤلاء رجال الأعمال يمتلكون قدرا كبيرا من الشبكات التي يدخل من خلالها رأس المال الأجنبي، مثل شركتي هيرمس ومجموعة القلعة والتي صناديقها تنفذ على الإمارات والسعودية.
وأشار إلى أن "الأزمة أن السلطة تضحي في طريق هذه المصالحة بإقامة دولة القانون، فضلا عن أنه ليس هناك محاسبة ولا شفافية ولا حرية الوصول للمعلومات وتعطيل الرقابة القضائية في ظل غياب البرلمان، وإصدار النظام للكثير من القوانين قبل انعقاد البرلمان".
"النظام غير قادر على تحقيق القانون ولابد من الشفافية"
تؤكد الدكتورة يمنى الحماقي أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس أن هناك عددا كبيرا من رجال الأعمال الذين كان لهم تأثير على القرار السياسي ومقربين من مبارك حققوا مكاسب فلكية بسبب حصولهم بدون وجه حق على أراض كثيرة ولم ينفذوا المشاريع التي كان يجب أن ينفذوها مثل أراضي خليج السويس الذي كان من المفترض أن تقام عليها مشاريع تخدم ميناء السخنة ويصبح مشروع متكامل، مشيرة إلى أن عدم تنفيذ رجال الأعمال للمشاريع التي كان متفقا عليها أثر بشكل كبير على الاقتصاد وجعله يتحول إلى القتصاد ريعي بدلا من أن يكون منتجا.
وأضافات أن "من تحدثت عنه الدولة عن المصالحة معه هو حسين سالم وناس قليلة للغاية لأن الموضوع غير معلن.. خاصة أن النظام لا يستطيع أن يضرب استثماراتهم حتى لا يؤثر على الاقتصاد ولكن النظام يستطيع أن يقوم بعمل مواءمات".
وأشارت إلى أن الفيصل هو قدرة النظام على تنفيذ القانون، مؤكدة أن النظام غير قادر على تحقيق سيادة القانون حتى الآن.. ليست هناك عصا سحرية تمكننا من تفعيل القانون بسبب التجريف الذي حدث للناس ولمصر منذ 60 عاما. وأوضحت أن القانون سيتحقق عندما تكون هناك شفافية ويصبح لدينا معايير للأداء في كل مؤسسات الدولة.
وحول تزاوج السياسة بالاقتصاد وعودة نفوذ رجال الأعمال وتأثيرهم على القرار السياسي خاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية التي أعلن عدد من رجال العمال مشاركتهم في هذه الانتخابات قالت " تأمين البلد من تزاوج السلطة بالمال لن يتأتى إلا بالوعي والإعلام".
من جهته يرفض الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فكرة المصالحة مع رجال العمال الذين أفسدوا الحياة السياسية قائلا "أنا ضد فكرة المصالحة.. المفترض أن من أفسدوا الحياة السياسية ونهبوا الثروات المصرية يجب أن يحاسبوا". وأضاف يجب تشكيل لجان تقوم بحصر أموال المشتبه فيهم وتحديد كيف حصلوا على ثرواتهم. وطالب الدكتور نافعة باستعادة الأموال المنهوبة أو دفع المستحق عليهم، وأن تسترد الدولة كل ما لها ويكون كل شيء متاح للرأي العام، لكن ما يحدث من تشكيل لجان سرية لا أحد يعلم عنها شيء ليس مقبولا وأعتقد أنه سيؤدي إلى إهدار أموال كثيرة.
وتعقد مصر آمالا كبيرة على المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد المصري في شهر مارس القادم، وتستعد باستباقه بإصدار قانون للاستثمار لوضع تسهيلات أكثر للمستثمرين وتحسين المناخ الاقتصادي في مصر ، إلا أن ميشيل دن كبيرة الباحثين بمركز كارنيجي للسلام الدولي قد تساءلت في مقال لها بواشنطن بوست تحت بعنوان "مصر منفتحة على الاستثمار وليس على الإصلاح" قائلة :"هل يمكن لمصر تحقيق الاستقرار وجلب الاستثمارات لإنعاش الاقتصاد، وفي نفس الوقت تستمر في قمع كل المعارضين لسياسات الحكومة في الداخل والخارج"، مشددة على أن القاهرة ستحتاج في النهاية لترك حرية النقد للأفراد من الشباب ومن يعانون من نقص في التعليم من أجل فتح المجال للإبداع أمامهم.