هل يساهم الحليب في تلويث المناخ؟
٩ فبراير ٢٠١٢منذ أكثر من سبعة آلاف عام عندما عرف الإنسان الزراعة، وقعت طفرة جينية للإنسان مكنت معدة الإنسان البالغ من هضم الحليب. وفي الواقع كان هضم اللاكتوز الذي يحتويه الحليب مقصور فقط على الأطفال..
ليست هناك مادة غذائية تتمتع بمثل هذه الصورة الإيجابية التي يحظى بها الحليب، فهو يعتبر غذاء صحيا ومغذيا للغاية. ومع ذلك فإن استهلاك الحليب بكميات كبيرة أمر لا يخلو من مشاكل. ففي مناطق كثيرة أصبحت تربية الحيوانات المنتجة للألبان كالأبقار مثلا أكثر تعقيدا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أربعة في المائة على الأقل من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري عالميا، يمكن أن تعزى إلى قطاع منتجات الألبان، بحسب دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة الدولية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل يجب علينا تغيير نظامنا الغذائي، وكيف يمكننا أن نحقق ذلك؟ في الحوار التالي يجيب على هذه الأسئلة البروفيسور غيرهارد فلاخوفسكي، خبير فيسيولوجيا التغذية والمدير السابق لمعهد التغذية الحيوانية في مدينة بروانشفايغ الألمانية.
دي دبليو: هل منتجات الألبان ضرورية لدى اتباع نظام غذائي متوازن؟
البروفيسور غيرهارد فلاخوفسكي: الأغذية التي تأتي من مصادر حيوانية مثل الحليب واللحوم والبيض ليست ضرورية من أجل تغذية الإنسان، والبرهان هو وجود النباتيين في جميع أنحاء العالم. ومن الممكن استكمال النظام الغذائي النباتي عبر تغطية حاجة الجسم من الأحماض الأمينية الأساسية والفيتامينات. لكن لتغطية حاجة الجسم من البروتين، من المستحسن أن يكون نحو ثلث الأغذية من منشأ حيواني. وتكتسب هذه التوصية أهمية خاصة بالنسبة لمن يعيشون في البلدان النامية، حيث أن جعل الغذاء النباتي مثاليا عبر المكملات المذكورة سابقا، أمر ليس باليسير. كما أن التوصية المذكورة سابقا تكتسب أهمية أكبر بالنسبة للنساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع والأطفال والمراهقين.
هل شرب الحليب أمر يمكن دعمه دون تحفظ من تأثير ذلك على صحة المناخ، وإلى أي مدى يساهم قطاع صناعة الألبان في زيادة ظاهرة التغير المناخي؟
يتم إنتاج الحليب للاستهلاك البشري في المقام الأول من الحيوانات المجترة مثل الأبقار والماعز والأغنام والإبل. الحيوانات المجترة لديها نظام خاص للهضم، حيث تعيش كائنات حية دقيقة في المعدة الأمامية للحيوان المجتر، وهي التي تعمل على تفكيك العناصر الغذائية المختلفة، ليستفيد منها الحيوان. والمشكلة تكمن في غاز الميثان الذي يتكون في معدة الحيوانات المجترة، والمعروف أن هذا الغاز من ضمن الغازات المسؤولة بنسبة كبيرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ يفوق ضرر غاز الميثان على صحة المناخ الأضرار التي يسببها غاز ثاني أكسيد الكربون بحوالي 23 مرة، وهذا ما جعل هذه الحيوانات المجترة تعتبر من ضمن المصادر الأساسية المسببة لتلوث المناخ.
لكن الخبراء يعتبرون الجهود الرامية لتخفيض نسبة غاز الميثان المنبعثة نتيجة لتربية الأبقار، بواسطة لقاح يحتوي على بكتيريا أو عن طريق علف خاص، يعتبرونها غير واقعية، وذلك لأن التأثير على الوسط البكتيري المسؤول عن التخمر في معدة البقرة سيؤثر على معدل انتاج الحليب. ولكن هناك طرق أخرى للحد من انبعاثات غاز الميثان المرتبطة بتربية الأبقار، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تدعم وزارة الزراعة المزارعين لشراء محولات للطاقة تعمل على تحويل روث البقر إلى طاقة كهربائية نظيفة.
هل تقليل الاعتماد على حليب البقر والتحول إلى حليب الحيوانات الأخرى مثل الماعز والجمال يمثل حلا لهذه المشكلة، وهل بديل اللحم المصنوع من الصويا "التوفو"، وكذلك زيادة الاعتماد في التغذية على المنتجات البديلة للحليب والمنتجة من الحبوب كحليب الشوفان مثلا، يمكن أن يعد ضمن الحلول الممكنة لمشكلة المناخ؟
تأثير إنتاج ألبان الماعز على المناخ يكاد يكون مساوياً لتأثير إنتاج الألبان من الأبقار، إلا أنها تعد الأسوأ على الإطلاق لأن الأسلوب الذي تتغذى به الماعز يؤثر سلبا وبدرجة كبيرة على نوعية التربة التي تمارس فيها تربية هذا النوع من الحيوانات. بالنسبة لحليب الأغنام فهو ينتج نسبة أعلى من الغازات الملوثة للبيئة، وفيما يتعلق بإنتاج حليب الإبل، فلا توجد قيم معروفة حول ما يسببه من انبعاثات.
أما بالنسبة للجهود الرامية لـ"تقليد" الأطعمة كما هو الحال مع حليب الصويا أو "اللحم" المصنوع من البروتينات النباتية، فهذه الجهود قديمة نسبيا، فقد بدأت في منتصف القرن الماضي، ولكنها لم تحقق للأسف حتى الآن نجاحا كبيرا، كما أن فكرة تصنيع بدائل للأطعمة الحيوانية عبر مكونات نباتية، فكرة تفتقر إلى القبول، وبالتأكيد هناك حاجة ماسة لإجراء المزيد من الأبحاث في هذا السياق.
أيضا منتجات الصويا ترتبط بنسبة كبيرة من انبعاثات الكربون، ولدى تحلل بقايا المحصول بعد موسم الحصاد، ينبعث أكسيد النيتروجين الثنائي، ومقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون، فإن ضرره على المناخ أكبر بحوالي 300 مرة. كما يترتب على زراعة الصويا تدمير مساحات كبيرة من الغابات، وأيضا تدمير نظم بيئية في غاية الأهمية. وبحسب تقديرات معهد سميثسونيان للبحوث المدارية في بنما، فإن الغابات المطيرة في حوض نهر الأمازون مثلا، تفقد سنويا نحو نصف مليون فدان من مساحتها بسبب القطع الجائر للغطاء الطبيعي وزرع فول الصويا مكانه، وهذا يعني أن حوالي 100 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا التي كانت تمتص بواسطة الغابات، تتصاعد إلى الجو. لذلك من الصعب الجزم عما إذا كانت سواء شريحة اللحم "البرغر" أو الشريحة البديلة المصنوعة من "التوفو" أقل ضررا بصحة المناخ، لكن المنتج المحلي هو في كل الأحوال أفضل لصحة البيئة.
من ناحية أخرى، يمكن تحقيق عائد أعلى من المحاصيل المختلفة، إذا ما تم توفير الكميات الكافية من المياه والمغذيات النباتية المختلفة.
كيف سيؤثر التغير المناخي في العقود المقبلة على صناعة الألبان؟ وما هي التدابير المناسبة للتكيف مع ذلك الوضع مستقبلا؟
ارتفاع درجات الحرارة وعدم استقرار الطقس وزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، كلها عوامل تجعل من تخزين المواد الغذائية على نحو أفضل أمرا ضروريا. وسيساهم ارتفاع درجات الحرارة في جفاف النباتات العلفية بسرعة أكبر، الأمر الذي ينعكس على صعوبة عملية الهضم، كما أن توفير اسطبلات بارد في الفترات التي ترتفع فيها درجة الحرارة، يسصبح أمرا ضروريا بالنسبة للحيوانات. وبالإضافة إلى ذلك سوف تكون هناك أمراض جديدة تصيب النباتات والحيوانات على حد سواء.
وما الذي ينبغي فعله في مجال الزراعة للتكيف مع تلك التغييرات؟
التدابير المستدامة ضرورية للتكيف مع التغييرات المتوقعة، تتمثل على سبيل المثال في اتباع أساليب تربية الحيوانات التي تضمن إنتاجا عاليا ومستقرا، ومنها ما يسمى بـ Low Input Varietiesوبالإضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق التكافؤ بين العناصر الغذائية التي تدخل في النظام الغذائي للحيوان وأدائه، أي مستوى إنتاجه، وذلك بحيث يتم خفض الانبعاثات. ويمكن للمرء أن يلخص كل ما سبق ببراغماتية بحتة، وهو رفع مستوى الإنتاج وتقليل عدد من الحيوانات في الوقت ذاته. وحاليا، هناك العديد من مجموعات العمل التي تتعامل مع هذا الموضوع على نطاق واسع، لكن لا ينبغي لنا أن نتوقع معجزة أو حلولا سريعة لتغيير نظم تربية الحيوانات المتبعة منذ آلاف السنين.
أجرى الحوار: فيبكه فويارزنغار
ترجمة: نهلة طاهر
مراجعة: سمر كرم