هل يبصر مشروع رابطة الجوار العربي النور؟
٤ أبريل ٢٠١٠هل كان الأمين العام للجامعة العربي عمرو موسى يتوقع أن يثير مشروعه حول إنشاء رابطة دول الجوار العربي كل هذا النقاش؟ وهل كان هذا الدبلوماسي المخضرم يحسب الحساب لهذا الطيف الواسع من ردود الفعل السلبية والرافضة لمشروعه؛ وخصوصا المواقف التي اتسمت بالفتور تجاه دولة دأب العرب مؤخرا على إغداق المديح عليها كتركيا؟ تصعب الإجابة عن السؤالين أعلاه، وإن كان المرء يميل، وبناء على خبرة موسى الدبلوماسية الطويلة، إلى أن الأمين العام لا بد قد توقع مثل هذه الأمور حين فكر في إطلاق هذه المبادرة من منبر القمة العربية، التي عقدت مؤخرا في مدينة سرت الليبية.
وبالرغم من أن موسى لم يربط مشروع رابطة الجوار بإيران وحدها فإن معظم المعلقين السياسيين العرب رأوا فيه "وسيلة" من رئيس الدبلوماسية العربية لإدماج إيران بالفضاء العربي. ويبدو أن موسى كان قد احتاط للأمر فذكر في كلمته أمام القمة العربية بأن مشروع الرابطة سيبدأ بدول عليها شبه إجماع عربي كتركيا وتشاد ثم يتمدد إلى دول أخرى مجاورة للعرب كإيران. إلا أن هذه التفسيرات لم تقنع الأصوات العربية الرافضة لإجراء "أي حوار مع طهران" فكيف بإدخالها في رابطة إقليمية مشتركة مع العرب؟.
لا مكان لإيران في الفضاء العربي
ويرى عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد بن عبد الله آل زلفة بأن موسى ذكر تشاد في كلمته لأن القمة كانت في سرت "فأدخل هذه الدولة الإفريقية بطريقة الترضية" نظرا للعلاقات الليبية التشادية. ويضيف آل زلفة، في حوار مع دويتشه فيله، بأن موسى "فاجأ العرب بمشروعه هذا ولم يطرحه للنقاش قبل ذلك"؛ متسائلا عن ماهية هذه الرابطة و"كيفية الجمع بين تركيا وإيران والعرب"؟
وفي حين يقر آل زلفة بأن تركيا دولة جوار مهمة جدا في المنطقة وهي تحاول التقرب من العرب "وقضاياهم بشكل معقول ومنطقي" فإنه لا يرى أي مكان لإيران في رابطة دول الجوار العربي. فإيران، حسب قول آل زلفة، "غير مرحب بها لأنها تتبنى سياسات عدوانية تجاه المنطقة العربية وتحتل أرضا عربية وتتدخل في الشؤون العربية". ويتساءل السياسي السعودي بغضب عن مبررات "التدخل الإيراني في اليمن ولبنان؟" ليستنتج وجود مشروع إيراني "خطير على المنطقة العربية هدفه إضعاف الجسم العربي لكي يكون لها موطئ قدم في المنطقة".
أما الكاتب والمحلل السياسي الألماني ميشائيل لودرز فيرى بأن أي حوار بين الدول العربية وتركيا وإيران مفيد جدا، إلا أنه يجد في مشروع موسى "تعبيرا عن ضعف الموقف العربي". ويتساءل لودرز، في حوار مع دويتشه فيله، عن مراكز القوة في الشرق الأوسط ليجيب بنفسه قائلا "أليست هي تركيا وإيران وإسرائيل؟". ويضيف الباحث الألماني المتخصص في قضايا الشرق الأوسط بأن "مصر والسعودية تلعبان دورا مهما أيضا لكنهما تأتيان في مرتبة أقل".
اعتراف بانكماش الدور العربي
وإذ يشيد لودرز بالمشروع وبأهميته للمنطقة فإنه يرى بأنّ ما دفع بالأمين العام للجامعة العربية إلى إطلاقه أيضا هو خوفه من أن تتعرض "إيران لهجوم عسكري أمريكي أو إسرائيلي، بسبب الخلاف حول برنامجها النووي، ما يدخل المنطقة في وضع صعب جدا". وبدوره يرى الباحث المصري مصطفى اللباد بأن إطلاق موسى لهذه الفكرة "اعتراف بالواقع الجيوسياسي في المنطقة، خصوصا بعد انكماش الأدوار العربية في الأعوام الأخيرة".
ويضيف اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة، في حوار مع دويتشه فيله، بأن عمرو موسى، ومن خلال هذا المشروع، يقر بواقع متحقق بالفعل لأن لإيران امتدادا كبيرا في المنطقة، وهو ما ينطبق على تركيا أيضا". ويرى اللباد بأن "اعتبارات الجغرافيا والتاريخ ومقتضيات التوازن تصب في صالح المشروع؛ فالتوازن مفقود في الشرق الأوسط كما أن هناك فراغا كبيرا، وبالتالي فإن إيران وتركيا ستنسقان جهودهما سواء جاءت دعوة موسى أم لم تأت".
ويعرب الباحث المصري المتخصص في الشؤون التركية والإيرانية عن اعتقاده بأن الدول العربية لم تستوعب بعد بأن التوازنات قد تغيرت في المنطقة لذلك لم تأخذ مبادرة عمرو موسى مأخذ الجد، ليس هذا فحسب، بل "لجأت إلى تسفيهها في قمة سرت". فإذا كان لدى العرب ملاحظات على إيران وتدخلاتها في بعض الدول العربية فلماذا لم "يعلن النظام العربي بدء حوار مع تركيا؟"
ترتيب البيت العربي بدلا من تشكيل روابط إقليمية
ومع أن الدول العربية لم تعلن رسميا رفضها لمبادرة عمرو موسى وأجلت البت فيها إلى القمة الاستثنائية، التي المقرر عقدها في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، فإن وسائل إعلامها تكفلت بذلك، إلى حد أن بعض الصحف العربية "شككت في نزاهة الأمين العام ودوافع طرحه لهذا المشروع"، حسب قول اللباد.
ويرى اللباد بأن تحفظ "النظام العربي الرسمي" لا يقتصر على إيران وحدها بل يشمل تركيا أيضا. وإلا فلماذا لم يلق إعلان رئيس الوزراء التركي، أمام القادة العرب في قمة سرت، قبول بلاده بهذه الرابطة "أي ترحيب من الوفود العربية؟". فمعظم الدول العربية، وخصوصا السعودية ومصر، ليست مرتاحة من تنامي النفوذ التركي في المنطقة العربية، وهي تخشى من أن "تسحب تركيا بقوتها الناعمة" البساط من تحت أقدامها.
وإذا كان عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد بن عبد الله آل زلفة يتجنب الجهر برفض إدخال تركيا في الفضاء العربي فإنه يلمح بأن "خيبة أمل الأتراك من عدم قبولهم في الاتحاد الأوروبي تدفعهم نحو المشرق والتصالح مع محيطهم العربي". لذا يرى آل زلفة بأن "البحث عن هذه المشاريع سيدخل العرب في متاهات" ويصرفهم عن الاهتمام بالأهم أي "بترتيب البيت العربي وإصلاحه قبل البحث عن تشكيل روابط مع الجيران".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: طارق أنكاي