هل فشل شباب الثورة في حشد المصريين بعد تبرئة مبارك؟
١٦ ديسمبر ٢٠١٤بعد الحكم ببراءة جميع رموز النظام السابق من تهم التورط في قتل متظاهرين، بما في ذلك الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العدلي وستة من معاونيه، سادت حالة من الشعور بالاحباط والغضب لدى قطاعات واسعة من النشطاء السياسيين والقوى الثورية، حيث خرج البعض عن صمته ودعا إلى الاحتجاج على هذا الحكم، فتظاهر عدد من شباب الثورة يوم 29 نوفمبر، غير أن المظاهرة مرت في ذلك اليوم مرور الكرام، وبعدها أخذت حركة 6 أبريل زمام المبادرة ودعت للتظاهر في ميدان عبد المنعم رياض في 5 ديسمبر، في وقت رفضت فيه قوى سياسية أخرى دعوات التظاهر، خشية استغلال الاخوان لتلك الفعاليات، مما أثار تساؤلات حول التشرذم والتخبط الذي وصلت إليه القوى الثورية، وحول التقييم الثنائي للثورة ومكانة الإخوان فيها.
الرهان على 25 يناير
يعتبر علي الحلبي، عضو مكتب سياسي سابق في حركة 6 أبريل الجبهة الديمقراطية، أن عدم قدرة القوى الثورية على حشد الجماهير في الشارع تعود إلى القبضة الأمنية. ورغم ذلك فهو يرى في حديثه مع DWعربية، أنهم نجحوا شيئا ما في حشد الآلاف بعد الإعلان عن تبرئة مبارك، مشيرا إلى أن عددهم كان سيتزايد لولا تدخل سلطات الأمن. ويؤكد الحلبي أن تلك القوى تكثف جهودها إعلامياً استعداد لـ 25 يناير القادمة. وعبر الحلبي عن اعتقاده أن ذلك الموعد سيكون يوماً فاصلاً في تاريخ مصر.
وعن التخوفات من الاحتكاك مع الإخوان المسلمين في ذكرى 25 يناير، يشرح الحلبي أن "الشارع ليس حكرا على أحد، والشعب يدرك جيداً اننا لن ننسق مع الإخوان، الذين مازالوا يتحدثون عن شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي ويرفعون علامة رابعة".
من جهة أخرى يعتبر أحمد البحيري، المتحدث باسم التيار الشعبي، في لقاء مع DWعربية، أن القدرة على الحشد متوقفة، وأن النظام اصبح أكثر قمعية مقارنة بالفترة الأخيرة لحكم مبارك، بل ويعتبر أنها كانت "أياما أرحم من الفترة التي نعيشها". ويتساءل البحيري بحسرة شديدة: " أين القوى الثورية؟، جزء منها في السجون، وجزء يسعى لمواصلة رسالته". ولا يتوقع البحيري أن يحدث شئ في 25 يناير القادمة. مشيرا إلى أن التيار الشعبي نزل يوم 29 نوفمبر للشارع، ولكنه رفض الدعوات التي تلت ذلك اليوم، لأن "الحركات الثورية اختارت يوم الجمعة للنزول إلى الشارع، وهو اليوم الذي تنزل فيه جماعة الاخوان المسلمين".
الثوار بين الاخوان وشبكة مبارك
وفي نظرة تحليلية للموضوع، يرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، أن الناس ملت التظاهر والاحتشاد في الميادين وأصبحوا في حالة شوق للاستقرار. ومع ذلك، لا يري نافعة أن روح الثورة أنطفئت، لأن "تبرئة مبارك تعد غير معقولة بالنسبة لكثيرين. كما أن مشاعر الثورة كامنة وهي عيش، حرية، عدالة اجتماعيه، فالكل يستشعر أنها لم تتحقق بعد". ويضيف نافعة " الثوار محشورون بين الاخوان المسلمين، وشبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك التي تحاول خطف ثورتهم، لذلك فليس من المصلحة بعد النزول إلى الشارع".
لكن جميل عفيفي، نائب رئيس تحرير الأهرام، يعتبر أنه لم تعد هناك أية قوى ثورية في مصر، وأن حركة الاخوان المسلمين هي التي كانت تحشد الناس في الميادين. ويلاحظ بسخرية قائلا: "عن أي قوى ثورية نتحدث؟، فالثورة انتهت سواء 25 يناير أو 30 يونيو، وأصبح هناك رئيس وستجرى الانتخابات البرلمانية". وقال: "ليس من حق أحد التظاهر، لأن هناك قانون التظاهر. فالبلد لن يتقدم ولن يستقر بالمظاهرات". ويستطرد قائلاً: "كل محاولة للخروج عن النظام، ستكون بمثابة مؤامرة لتشويه صورة مصر في الخارج، وهو ما ترغب فيه جماعة الإخوان المسلمين".
حيرة المواطنين
يركًز علي الرجال، الباحث في علم الاجتماع السياسي، في حديثه مع DWعربية على العلاقة القائمة بين الاحتجاجات والشارع المصري. ويقول: "قطاعات واسعة من المجتمع في حالة من التذمًر والارتباك، مع وجود مصالح اجتماعية واقتصادية، تجعلها تسعى للحفاظ على شكل المجتمع القديم، وتتحالف مع الدولة حتى ولو ذهبت الدولة إلي أقصى درجات الجنون في القمع".
أمًا القطاعات الأخرى المهمًشة والفقيرة وأبناء الطبقة الوسطى، "فهي الأخرى في ارتباك معنوي ومادي أيضاً". ويشرح قائلاً "هناك غياب حقيقي للأمن بالنسبة لهم، وتسبب ذلك في حالة خوف على السلامة الجسدية والشخصية، خصوصا بالنظر إلى الوضع الأقتصادي الذي يزداد سوءاً". ويرى الرجال أن المواطن الفقير بات بين خطابين قاسيين: "الأول يدعوه لأن يثور كي يأخذ حقوقه وحرياته في دولة جديدة، والخطاب الثاني يتوعده بالردع وبتهمة الخيانة في حال مطالبته بحقوقه وحرياته. أصبح تفكير المواطن يتأرجح بين خيار الثورة ومزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وبين الرضوخ على أمل الحفاظ على الحد الأدنى في حياته"، حسب الرجال.
وعبر الرجال عن اندهاشه من دعوة 6 إبريل للتظاهر ويقول: " كنا نعلم جميعا أن قضية مبارك تمضي في اتجاه تبرئته، وكان هناك وقت طويل لتحضير عمل جماهيري لائق بحجم هذه الكارثة... غير أنه لم يسع أي طرف من الأطراف الثورية للدخول في حوار هاديء مع قطاعات المجتمع للنقاش حول المستقبل وتطلعاته". كما عبر الرجال عن أسفه لفقدان القوى الثورية حسها التقدمي"، التي صارت آسيرة الماضي والذكرى حسب قوله، كما انتقد "إصرارها على إعادة إنتاج لحظة تاريخية كانت لها ظروفها الخاصة".
ووصف الرجال ما تعانيه القوى الثورية من تخبط بأنه أمر بالطبيعي بالنظر إلى ما مرت به في السنوات الأخيرة. ويشرح قائلا: "يجب ألا ننسى أن كثيرا من الرفقاء يوجدون في السجون بسبب قانون التظاهر، وأن الكثير من الشباب يوزعون جهدهم وطاقاتهم بين لجان الإعاشة ومتابعة أهالي المساجين، وبالتالي فنحن أمام استنزاف مادي ومعنوي".