هل عجز السيسي عن ضبط الأمور في مصر؟
٤ نوفمبر ٢٠١٥التفجير الانتحاري الأربعاء (4.11.2015) أمام ناد للشرطة في العريش، كبرى مدن شمال سيناء، والذي تبناه الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية، وأوقع قتلى وجرحى بحسب وسائل الإعلام الرسمية يثير العديد من التساؤلات عن نجاعة النظام المصري في فرض النظام والأمن، خاصة مع احتمالية إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء السبت الماضي بـ"عمل إرهابي". يأتي ذلك مع الإشارة إلى مرور عام ونصف العام على تولى عبد الفتاح السيسي منصب الرئاسة في مصر، حيث تستمر التفجيرات في سيناء وترتفع أعداد القتلى بين رجال الأمن المصريين.
ومع فرض الرئيس السيسي قانون الإرهاب الجديد في شهر أب/ أغسطس من العام الحالي، والذي أثار جدلا كبيرا داخل المجتمع المصري، إذ وصفه البعض بأنه يشكل تكميما جديدا للأفواه، وتضييقا على الحريات السياسية في البلد، يعود الرئيس المصري ليؤكد في مقابلة مع موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الأربعاء (4.11.2015) قبل توجهه إلى لندن، بأن الإخوان هم جزء من الشعب المصري، وأن مشاركتهم السياسية رهن باختيار الشعب المصري.وهو ما اثار علامات استفهام كبيرة حول الخط السياسي الذي يتبناه الرئيس المصري. كما دافع السيسي في المقابلة الصحفية عن التدابير الأمنية المتخذة في مصر واصفا إياها بأنها "خطوة مهمة من أجل الوصول بمصر على طريق الديمقراطية"، كما قال.
"خطاب السيسي موجه للخارج"
الباحث والخبير السياسي المصري سامح راشد قلل في حوار مع DWعربية من أهمية خطاب الرئيس المصري، معتبرا أنها "محاولة لإضفاء نوع من المرونة"، قبيل زيارة الرئيس للعاصمة البريطانية ، مضيفا أن الخطاب"موجه للخارج أكثر منه للداخل المصري". وقال راشد إن قول السيسي بأن الإخوان يشكلون جزءا من الحركة السياسية "يتناقض مع الأحكام القانونية الصادرة ضدهم." بالإضافة إلى أن "الحالة السياسية" المصرية لن تسمح للسيسي في هذه الفترة من إعطاء أية مزايا انتخابية للإخوان، بسبب رفض القاعدة الشعبية التي تدعم السيسي.
واعتبر الخبير السياسي أن النظام المصري فشل من فهم العقلية المختلفة لطبيعة الوضع في سيناء، فحاول تطبيق القانون هناك بالقوة، إلا انه لم ينجح لاعتبارات عديدة، أهمها أن الطبيعة القبلية التي تحكم في سيناء والحالة التي يعيشها السكان هناك بعيدة كل البعد عن مركز الدولة، مما تولد عنها طبيعة مختلفة يتجاهلها النظام العسكري. ويرى راشد أنه كان على الدولة أن تلجأ "للاحتواء، والدعم الاقتصادي، واللجوء لرؤساء القبائل، من أجل فرض قوتها ونفوذها".
لماذا فشل السيسي في فرض الأمن .
من جتهه أكد مدير تحرير جريدة الوفد المصرية مجدي حلمي في حوار مع DW عربية أن طبيعة الوضع السياسي والجغرافي لمنطقة سيناء ساعد على" تمركز جماعات إرهابية هناك". وقال حلمي بأن "عدم استطاعة" الجيش المصري للتدخل العسكري بكامل قوته، أدى إلى رصد الجماعات "لحالات "ارتخاء عسكري" في الإجراءات الأمنية، وهو ما تستغله هذه الجماعات بتنفيذ عمليات ضد الجيش المصري. ووصف رئيس صحيفة الوفد هذه الجماعات بأنهم أغراب، ومن دول خارجية، وهدفهم زعزعة النظام في مصر، غير أنه يعترف أيضا بأنهم "يتلقون مساعدات من قبل بعض السكان في سيناء".
ويرى حلمي أن الرئيس المصري السيسي حاول فرض النظام في مصر، إلا أنه واجه عراقيل كثيرة أهمها "الفساد المستشري في أرجاء الدولة المصرية"، وهو ما ساهم في عدم التطبيق الحازم للقانون، حسب المتحدث. وأضاف حلمي : "للأسف الفساد المستشري، أصبح أفة تدمر الدولة". وتابع "هنالك أناس متنفذون مستفيدون من الوضع القائم، وهو ما ولد هذه الحالة من الفوضى الأمنية".
الأمن رهن بالمزيد من الحريات
ويرى سامح راشد أن استمرار الوضع الراهن "ليس في صالح الرئيس المصري"، فبالرغم من نفوذه، فإنه يواجه "شبكة كبيرة من المتنفذين" الذين ينتمون إلى عهد مبارك. ويضيف: "حتى لو أراد السيسي التخلص من شبكة عهد مبارك فلن يستطيع.. هناك تنافس بين هذه الشبكة القديمة والسلطة الجديدة، والمواطن هو الضحية بينهما".
وانتقد راشد قانون الإرهاب الجديد واصفا إياه "بغير المناسب" وأنه "غير قادر على فرض الأمان، لأن الوضع في سيناء مختلف". واعتبر راشد أن القانون "يقلل من هامش الحرية الموجودة في مصر". ويوافقه في هذا الرأي رئيس صحيفة حزب الوفد الذي ذكر أن "هنالك قوانين خاصة بالإرهاب ويجب تفعيلها، وأن الأمر لا يستدعي أية قوانين جديدة"، وأضاف أن " فرض قوانين جديدة هو أمر غير سليم، فنظام مبارك فرض حالة الطوارئ لسنوات طويلة، الا انه فشل في تنظيم الأمر، حيث لا تستطيع الدولة بالقوة وحدها فرض النظام".
ويلاحظ سامح راشد أنه إذا رغبت الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب وحفظ النظام وفرض نفوذ الدولة، فعليها ان تفهم أن الحل الأمني هو أسلوب غير فعال، وان الحل لن يتم إلا من خلال مرافقة الجهود الأمنية لتنمية مجتمعية وأيضا عبر توفير سياسات اقتصادية عادلة، وإتاحة مساحة من الحرية الاجتماعية والثقافية. وبدون هذه الإجراءات فلن يكن هناك أي تغيير حقيقي.
من جهته قال حلمي إن الرئيس السيسي يدرك أن الوضع شائك، وليس بالسهولة التي يحاول عرضها، لذلك فان أية نجاحات صغيرة مثل تحسين التنقل بين المدن وتحسين خدمات الدولة وضبط الأسعار، كلها أمور قد تساعد السيسي على ضبط نفوذه وإظهاره بمظهر القادر على الإصلاح. وتنبأ حلمى بأن تأخذ الأمور سنين طويلة من أجل ضبط الوضع في مصر، وتابع " التجارب علمتنا إن الأوضاع السياسية المتوترة تحتاج الى فترة طويلة قد تمتد من 10 الى 15 عاما وذلك من أجل عودة الأمور إلى نصابها. لذلك فان الحديث عن أي تغيير كبير وفوري داخل الدولة المصرية أمر غير ممكن في الوقت الراهن.