هل سيهدد الذكاء الاصطناعي البشرية؟
٢٩ ديسمبر ٢٠١٤عندما طرح عالم الكمبيوتر البريطاني الشهير آلان تورينج منذ 65 عاما السؤال التالي " هل يمكن للآلات أن تفكر ؟ "، رد على الفور على السؤال بوصف هذه الفكرة بأنها سخيفة، وترددت هذه المقولة من جديد من خلال الفيلم الذي عرض هذا العام عن قصة حياته بعنوان the imitation game -" لعبة التقليد ".
غير أن ما عرف باسم " اختبار تورينج " الذي يتمثل في إجراء تجربة مفادها : هل يمكن أن تخدع آلة إنسانا وتجعله يعتقد بأنها بشر؟ أصبح يمثل القاعدة الذهبية للأبحاث التي تجرى حول الذكاء الاصطناعي، كما مثل هذا الاختبار علامة بارزة تحولت إلى نظرية لعدة عقود. وأصبح هذا الاختبار، الذي يجيب جهاز الكمبيوتر من خلاله على أسئلة يطرحها عليه شخص ما لا يراه وهو يعتقد أن الكمبيوتر شخص مثله، يستخدم بشكل عملي في كل مكان. وصار الاختبار بمثابة القدرة الذهنية الرقمية التي تغذي تطبيق" سيري "، وهو مساعد شخصي ومتصفح معرفي لجهاز آي فون للرد على الأسئلة الصوتية، وكذلك أنظمة النقل الذكي التي تعد أساسا لواتسون السوبر كمبيوتر الذي هزم منافسيه من البشر ليفوز في برنامج المسابقات التليفزيوني "جيوباردي " عام 2011.
وتستخدم شركة غوغل هذا الاختبار في عمليات التصفح والبحث الذكية التي تتيحها على موقعها، كما تستخدمه ألعاب الفيديو لابتكار عوالم من الألعاب الإليكترونية ذاتية الديمومة، وتستخدمه أيضا المتاجر الإليكترونية لبث نغمات موسيقية وأفلام تصنع وفقا لأذواق الزبائن، وفي أوائل العام الحالي تمكن برنامج إليكتروني روسي من إقناع العلماء بأنه صبي يبلغ من العمر 13عاما اسمه يوجين.
وتفترض النظريات أنه كلما ازدادات إمكانات جهاز الكمبيوتر في الذكاء الاصطناعي، كلما ازدادت قدرته على التعلم، وكلما زادت قدرته على التعلم كلما ازداد ذكاؤه. وطورت شركة " فيكاريوس " في عام 2013 برنامجا للذكاء الاصطناعي يمكنه أن يجتاز اختبارا يستخدم على نطاق واسع على الإنترنت، وتم تصميمه ليخاطب البشر والكمبيوتر كل على حده، ويطلب الاختبار الذي يعرف باسم " كابتشا " وهي الحروف الأولى من عبارة (اختبار تورينج العام الآلي تماما للتحدث إلى الكمبيوتر والبشر كل على حده)، ويتطلب الاختبار من البشر إعادة كتابة مجموعة قصيرة من الأرقام أو الحروف السرية.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن سكوت فونيكس المؤسس المشارك لشركة " فيكاريوس " قوله إنه يريد الذهاب إلى أبعد من ذلك، وابتكار أجهزة كمبيوتر يمكنها إن تتعلم كيف تعالج الأمراض، وأن تنتج طاقة متجددة، وأن تقوم بمعظم الوظائف التي يؤديها البشر. والهدف هو ابتكار " جهاز كمبيوتر يفكر مثل الإنسان، باستثناء أنه لا يتعين عليه أن يتناول الطعام أو ينام "، وذلك وفقا لما نقلته الصحيفة عنه.
خطر على البشرية
غير أن بعض أصحاب العقول اللامعة في مجال التكنولوجيا يقولون إن قطع شوط كبير في تطوير الذكاء الاصطناعي يمكن أيضا أن يدمر البشرية. فعلى سبيل المثال نجد أن إلمون موسك مؤسس شركة " تيسلا " لإنتاج السيارات الكهربائية وشركة " سبيس إكس " الخاصة للفضاء البادئة نشاطها والمستثمر في شركة " فيكاريوس "، يصف الذكاء الاصطناعي بأنه " أكبر تهديد يواجه وجودنا كبشر "، وشبه الآلات التي تفكر بالأسلحة النووية و" بالشيطان ". وقال موسك أمام مجموعة من الجمهور انتابتهم موجة من الضحك في معهد ماساشوسيت للتكنولوجيا في تشرين أول/ أكتوبر الماضي " إن الأمر يشبه ما يتردد في كل هذه الحكايات حول الرجل الذي يحمل خاتم سليمان السحري والماء المقدس ومثل ذلك من الأشياء، فهل هو متأكد من أنه سيستطيع أن يسيطر على الشيطان ؟، إن هذا لن يجدي ".
كما أن عالم فيزياء الفلك البريطاني ستفين هوكينج قال لمحطة (بي.بي.سي) إن " الذكاء الاصطناعي الكامل - بمعنى ابتكار أجهزة كمبيوتر تمتلك عقولا خاصة بها - يمكن أن يؤذن بنهاية الجنس البشري ". وهذا العام أسس العلماء بجامعة كامبريدج التي يعمل هوكينج مديرا للأبحاث فيها " مركز دراسات المخاطر على الوجود البشري "، ومن بين أهدافه دراسة كيفية تعظيم الفوائد التي يجنيها الإنسان من الذكاء الاصطناعي وتجنب حدوث كارثة على غرار ما نراه في روايات الخيال العلمي.
غير أن كلا الهدفين لا يزالان بعيدين عن التحقيق، فقد أجرى الفيلسوف والمؤلف نيك بوستروم استطلاعا للرأي بين مجموعة من خبراء الذكاء الاصطناعي حول الموعد الذي يثقون أن العلم سيحقق فيه " مستوى رفيعا من ذكاء الآلات ". وأعرب هؤلاء العلماء عن اعتقادهم بأن ذلك سيتحقق في المتوسط عام 2075، وبعد ذلك بثلاثين عاما يمكن ابتكار الآلات ذات الذكاء الفائق، والتي يمكن أن تتفوق على تفكير الإنسان، ولكن ما نسبته 21 في المئة منهم قالوا إن ذلك لن يتحقق على الإطلاق.
ع.خ/ هـ.إ. (د ب أ)