هل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟
٦ يونيو ٢٠١٣معظم تعليقات المعلقين السياسيين ومراسلي وكالات الأنباء، تشير إلى أن التظاهرات التي اجتاحت المدن التركية هي ليست احتجاجاً على "تحويل حديقة تاريخية تدعى (غيزي بارك) إلى مركز ثقافي وتجاري" فحسب، وإنما كانت هناك تراكمات تغلي تحت السطح، وتذمر شعبي واسع بصمت، وما قضية تغيير حديقة تاريخية في اسطنبول إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، والفتيل الذي أشعل الانتفاضة إذ هناك أسباب كثيرة.
لقد تمادت حكومة أردوغان في الاستبداد، والتضييق على الحريات الشخصية، وتقليص العلمانية، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تدريجياً رغم وعوده في البداية أنه حريص على العلمانية والحريات الشخصية. كذلك زجت حكومة أردوغان المئات من الضباط والصحفيين والكتاب العلمانيين في المعتقلات بتهمة التآمر على النظام الديمقراطي!! وفصل الكثير من القضاة وتعيين المتعاطفين مع أيديولوجية حزبه مكانهم، الأمر الذي بات يهدد النظام العلماني الذي تشرب الشعب التركي بثقاته منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة وإلى الآن، مع التزامه بتعاليم الإسلام المعتدل كدين وليس كسياسة لفرض نظام ثيوقراطي قروسطي.
"الديمقراطية على أيدي تنظيمات تابعة للقاعدة"
كذلك، استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الربيع العربي، فطرح نفسه، مع أمير دويلة قطر، أنه من أنصار الديمقراطية في البلاد العربية، ويدعو إلى تصالح الإسلام السياسي مع الديمقراطية والحداثة. والمضحك المبكي أن أردوغان وأمير قطر، يريدان تحقيق الديمقراطية في سوريا والعراق على أيدي تنظيمات تابعة للقاعدة مثل "جبهة النصرة" في سوريا، وفلول البعث والقاعدة في العراق، وهما معروفان بعدائهما الشديد للديمقراطية وحرية وحقوق الإنسان. كما وطرح أردوغان نفسه كوريث شرعي لسلاطين الدولة العثمانية، والوصي الملكف لحماية أهل السنة في بلاد الشام والعراق.
اعتقدَ أردوغان أنه سياسي محنك يضع معاوية وماكيافيللي في جيبه. إذ نتذكر الغضبة المسرحية التي افتعلها قبل سنوات مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرز في لقاء دافوس، وخرج من اللقاء احتجاجاً على مدير الندوة، أنه لم يمنحه وقتاً كافياً لإلقاء مداخلته معادلاً لما منحه للرئيس الإسرائيلي.
وعند عودته إلى بلاده استقبلته جماهير حزبه في مطار أنقرة استقبال الأبطال الفاتحين! بينما نعرف حقيقة العلاقة الودية الإستراتيجية بين تركيا وإسرائيل. ومن ثم طرح أردوغان نفسه المدافع الشرعي عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولعبته في إرسال المساعدات عن طريق البحر لسكان غزة، وتعرض القوات الإسرائيلية لها. كذلك رفعه شعار الإسلام المعتدل، وغيره من الوسائل التي استبشر الجميع بها خيراً، فصار أردوغان مثالاً يقتدى به من قبل الديمقراطيين العرب. وأخيراً تبين أن كل هذه الأساليب ما هي إلا لكسب الوقت، حيث كشف أردوغان عن وجهه الحقيقي تدريجياً كأي إسلامي أخواني.
تركيا: العلويون نار تحت الرماد
لقد كشف أردوغان عن موقفه من العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، فراح يلعب بالورقة الطائفية، ويدعم الفئات المعارضة للعملية السياسية، وخاصة تلك التي تستخدم العنف، بدأ بإطلاق تصريحات بذيئة ضد رئيس الوزراء العراقي لا تليق بمسؤول كبير يحترم نفسه، وتعاونه مع جميع الأطراف المعادية للحكومة المركزية في بغداد. كما وجعل من بلاده ملجأً للإرهابيين العراقيين الهاربين من وجه العدالة من أمثال الإرهابي طارق الهاشمي وعدنان الدليمي، وملتقى لعقد المؤتمرات للتآمر على الحكومة العراقية المنتخبة... وبلغ تدخل أردوغان السافر في الشأن العراقي إلى حد أن رفع المتظاهرون في ساحات الاعتصام في المناطق الغربية صوره وأعلام تركيا، إلى جانب صور وأعلام صدام حسين، بل وخاطبه أحد خطباء الاعتصام في الرمادي بحفيد السلطان محمد الفاتح وناشده بالتوجه لتحرير العراق من "الاحتلال الصفوي".
من نافلة القول أن اللعب بنار الطائفية خطر كبير، و تركيا الأردوغانية ليست محصنة ضد إشعال الفتنة الطائفية. فنحو 30% من الشعب التركي هم بكتاشيون (علويون)، أي من نفس مذهب العلويين في سوريا، ولا شك أنهم يتعاطفون مع نظرائهم في سوريا وما يتعرضون لحرب الإبادة بسبب فتاوى يصدرها شيوخ الوهابية، وعلى رأسهم يوسف القرضاوي الذي أصدر فتوى قريباً أحل بها قتل (النصيرية) ويقصد (المسلمين العلويين)، ووصفهم بأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى!. ولذلك فالذين يلعبون بالنار الطائفية في العراق وسوريا، يجب أن يعلموا أنهم يجلبون البلاء على أنفسهم وعلى شعوبهم.
" أسباب العداء لنظام الأسد "
لقد حذرنا مراراً أن الديمقراطية لا يمكن إقامتها عن طريق فلول البعث والقاعدة، وأن هذه الحرب المشتعلة في سوريا والتي صرف عليها أمير دويلة قطر نحو ثلاثة مليارات دولار حسب ما جاء بتقرير في صحيفة (فايننشال تايمز) اللندنية، تحت عنوان: "قطر أنفقت نحو ثلاثة مليارات الدولار في العامين الماضيين لتمويل الانتفاضة السورية"(4).
نؤكد مرة أخرى أن هذه الحرب التي تدور رحاها في سوريا، والتي يخطط لها في العراق أيضاً، ليست من أجل الديمقراطية. وقد تبين الآن أن الغرض من إسقاط نظام بشار الأسد، هو لأسباب عديدة مختلفة ليست الديمقراطية من بينها، فلكل جهة متورطة بهذه الحرب هدفها الخاص بها، لا يستفيد منها أي شعب في المنطقة، ناهيك عن الشعب السوري، ومنها مثلاً:
أولاً، مد أنابيب الغاز القطري إلى أوربا وإسرائيل عبر العراق وسوريا،
ثانياً، الحرب في سوريا والعراق بالوكالة بين السعودية والدول الخليجية من جهة، وبين إيران وحزب الله والعراق من جهة أخرى.
ثالثاً، إشعال حرب طائفية في المنطقة لصالح الوهابية السعودية والقطرية، و إسرائيل.
رابعاً، إسقاط نظام بشار الأسد كخطوة أولى لعزل إيران تمهيداً لإسقاط حكومتها وتدمير برنامجها النووي، على غرار إسقاط حكم البعث الصدامي، والذي ما كان ممكناً إلا بعد عزله إقليمياً وعالمياً.
"وصل الحريق إلى بيت أردوغان"
ولكن للتاريخ منطقه، إذ لا يصح إلا الصحيح، و"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". فكما حذرنا أن من يشعل الحرائق في بيت جاره لا بد وأن تصل النيران إلى بيته، وأفضل مثال هو بشار الأسد. وقد شارك أردوغان بنشاط في إشعال الحرائق في سوريا والعراق، والآن وصل الحريق إلى بيته. وهاهو السلطان أردوغان "حفيد محمد الفاتح" يواجه غضبة الشعب التركي، ولا شك أنها انتفاضة الربيع التركي على غرار انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية الجائرة.
والجدير بالذكر، أن أردوغان وصف المحتجين في بلاده قائلا: "كل الطرق ماعدا صناديق الاقتراع تظل غير ديمقراطية"، أي أنه لا يتأثر بالاحتجاجات وإنما الحكم لصناديق الانتخابات. ولكن أردوغان هذا ينكر حكم الديمقراطية وصناديق الاقتراع في العراق، إذ وقف دائماً مع التظاهرات والاعتصامات الطائفية، وينظم لقادتها المؤتمرات للإطاحة بنظام منتخب من الشعب العراقي ديمقراطياً. وهذه هي ازدواجية أردوغان.
أردوغان هذا أصابه الغرور، خاصة بعد فوزه لثلاث مرات في الانتخابات العامة حيث اعتقد أنه صار بإمكانه أن يفعل ما يشاء و فوق المساءلة مما أثار سخط الشعب التركي وبالأخص شريحة الشباب. وعلى قدر ما يخص موقفه من العراق، فبدلاً من أن يقيم علاقات حميمة ودعم النظام الديمقراطي ويعمل على استقراره، راح يؤجج الفتنة الطائفية ويدعم فلول البعث وأتباع القاعدة أعداء الديمقراطية، وينظم لهم المؤتمرات للتآمر على الحكومة العراقية المنتخبة.
فهل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟
لم يبق مما تبقى من حكمه إلا فترة قصيرة عن الانتخابات القادمة، وبالتأكيد ستشغله هذه التظاهرات عن تدخلاته السافرة في شؤون دول الجوار، و بداية النهاية لمرحلة أردوغان وحزبه الإسلامي، ومن المرجح أن حزبه سيفشل في الانتخابات القادمة إن لم تطح به هذه الانتفاضة.