هل "خان" بايرن الديمقراطية حين لعب مع الهلال؟
٢٠ يناير ٢٠١٥
هل يُطالب الرياضيون بإبراز مواقفهم السياسية أم أن على الرياضة عموماً، وكرة القدم خصوصاً، النأي عن كل ما له علاقة بالأحداث والتداخلات السياسية والتركيز على المتعة والتواصل وتعزيز المنافسة؟ على العموم، لوائح الاتحادات الرياضية ومن بينها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تؤكد على الابتعاد عن الشعارات السياسية لكنها توصي بالعمل على الحد من العنصرية والكراهية.
وهنا المفارقة، إذ - وإن كان الأمر كذلك- يرى ساسة ألمان أن فريق بايرن ميونيخ لكرة القدم، متصدر الدوري حالياً، قام بخطأ أخلاقي كبير حين لعب يوم السبت الماضي (17 يناير/ كانون الثاني 2015)، أمام فريق الهلال السعودي على ملعب الملك فهد الدولي في الرياض.
وذلك في إطار مباراة ودية تكريمية للاعب عبد اللطيف الغنام المعتزل مؤخراً. انتهت المباراة بفوز البايرن (4-1) وقد حظي بحفاوة استقبال حارة من قبل الجمهور السعودي، جعلت الجناح الطائر آرين روبين "يتقدم بالشكر والتقدير لجماهير بايرن في العاصمة السعودية الرياض على حضورها ودعمها لنا".
لكن تداعيات هذه المباراة لم تقف عند ذلك، فقد وجه رئيس اللجنة الرياضية في البرلمان الألماني داغمار فرايتاغ، انتقادات شديدة اللهجة للعملاق البافاري، مؤكداً أنه لا يطالب الرياضيين بأن يتحولوا إلى سياسيين، "لكن عليهم أن يضعوا بعين الاعتبار حقوق الإنسان وعليهم إرسال إشارات بهذا الخصوص". وأكد النائب أمام صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" الواسعة الانتشار أن المملكة السعودية تواجه انتقادات جمة بسبب وضعية حقوق المرأة، خاصة النساء.
خيانة المبادئ الديمقراطية؟
وتزامنت مباراة بايرن مع الحملة الدولية التي أطلقتها منظمات حقوقية دفاعاً عن المدون السعودي رائف بدوي الذي حُكم عليه بالسجن لعشر سنوات وبألف جلدة بسبب أفكاره التي اعتبرت أنها مسيئة للإسلام.
وحسب المتحدث في الشؤون الرياضية عن حزب الخضر أوشان موتلو، فإن "صاحب الأرقام القياسية في كرة القدم الألمانية، أهدر عبر عدم رفضه لخوض هذه المباراة، فرصة لإرسال إشارة قوية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان".
كما دخل الممثل الحكومي لقضايا حقوق الإنسان كريستوف شتيريس، على خط الانتقادات معرباً عن أنه "لا يمكن للرياضة أن تكون الحل، لكنها تستطيع لعب دوراً مهماً في هذا الاتجاه".
بايرن: "لا تهمنا السياسة"
في المقابل، أكد متحدث عن النادي البافري أن نفقات الرحلة إلى الرياض تمّ تمويلها من قبل أحد الرعاة، وأضاف لصحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" أن النادي لم يحصل على أي فلس من قبل الضيوف، مشدداً على أنه لا علاقة لبايرن بالسياسة. فهل هذا صحيح؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، يقول الباحث في مجال الرياضة الاجتماعية د. منصف اليازغي في حديث مع DW عربية، يجب العودة إلى تاريخ حافل من "استغلال" الرياضة من قبل السياسيين، مستنداً على قائمة طويلة من الانتقادات التي وجهت الدول التي احتضنت تظاهرات رياضية كبرى بسبب سجلها الأسود في حقوق الإنسان، لعلّ أبرزها دورة بكين الأولمبية، التي اُنتقدت فيها بكين بحدة، وفي النهاية أقيمت التظاهرة واكتشف العالم أن الصين حظيت بشرف تنظيمها لأنها وافقت على إعادة طائرة التجسس إلى الولايات المتحدة.
وينتقد الباحث منصف اليازغي تناقض المواقف لدى الساسة الغربيين، حين يطالبون الرياضيين بأشياء هم أنفسهم لا يفوا بها، ويوقعون وراء الأبواب المغلقة صفقات كبرى مع الدول المعنية، غير مكترثين آنذاك بنظام الكفالة المثير للجدل في دول الخليج على سبيل المثال أو غياب الديمقراطية والاعتداء على حقوق الإنسان. "كثيراً ما يتم تحميل الرياضي أكثر ما يحتمل، في وقت يتوارى فيه السياسي إلى الخلف" يقول الباحث، وهذا ما حدث بالضبط مع المدافع الكولومبي إسكوبار الذي حوسب على خطأ قام به في مباراة واحدة متسبباً في تسجيل هدف ضد مرماه، فتمّ اغتياله في أحد المحلات التجارية.
أما السياسي، فرغم الأخطاء التي يقوم بها والتي قد تكون مصيرية بالنسبة للبلاد فقد لا يحاسب أصلاً. ومن هذا المنظور يضيف منصف اليازغي "علينا قراءة انتقادات الموجهة إلى البايرن على أنها نفاق سياسي".