هل حان الوقت لرفع العقوبات عن سوريا؟
١٨ نوفمبر ٢٠٢٢دعت خبيرة حقوقية مستقلة تعمل لدى الأمم المتحدة إلى رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا. وقالت ألينا دوهان، المقررة الخاصة لدى المنظمة الدولية المعنية بإعداد تقرير خاص حول أثر التدابير أحادية الجانب على حقوق الإنسان، في بيان "أحث على الرفع الفوري لجميع العقوبات أحادية الجانب التي تضر بشدة بحقوق الإنسان وتمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة البناء والإعمار". وأكد بيان الخبيرة أن العقوبات على سوريا "قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية".
ومنذ عام 2011، تفرض دول أوروبية والولايات المتحدة عقوبات على الحكومة السورية جراء حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة. ومنذ ذلك الحين، ما زالت العقوبات قضية مثيرة للجدل إذ يطرح أكاديميون ومحللون وسياسيون تساؤلات حيال مدى فعالية العقوبات ليست فقط في سوريا وإنما في دول أخرى مثل إيران وروسيا حيث يرون أن العقوبات تضر أكثر بالمدنيين.
أثار تقرير جوهان شكوكا من قبل نشطاء سوريين وخبراء متخصصين في العقوبات. وفي بيان، اتهم "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية" تقرير الخبيرة بأنه "غير محايد ويتجاهل الجرائم التي ارتكبتها الحكومة السورية". في ذلك، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة، إن تقرير دوهان "لم يتطرق إطلاقا إلى سبب فرض عقوبات على نظام الأسد في المقام الأول". وكان التقرير قد سلط الضوء على فرار 6.8 مليون سوري من بلادهم خلال السنوات الماضية "بسبب الفقر واليأس". غير أنه لم يشر إلى أن هذا الفرار كان بسبب "الحرب الأهلية والقمع الوحشي". يُضاف إلى ذلك أن زيارة دوهان اقتصرت على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية فيما يستحيل أن تتفوه منظمات في هذه المناطق بأي بيانات ضد الحكومة. من جانبه، قال عبد الغني إن "(الرئيس السوري بشار ) الأسد يمضي قدما في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في سوريا. وفي ضوء ذلك، لماذا لم تطالب (دوهان) من الأسد بالإفراج عن السجناء السياسيين أو التحقيق مع من ارتكب جرائم حرب ضد الشعب السوري وذلك بدلا من المطالبة برفع العقوبات ضده".
مهمة "مثيرة للجدل"
وأثارت توصيات مماثلة صدرت عن دوهان جدلا حيال رفع العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا وزيمبابوي. ففي مقال نشرته مجلة اويكرم/ Eucrim الخاصة بجمعية القانون الجنائي في الاتحاد الأوروبي، اعتبر الخبير القانوني أنطون مويسينكو عمل دوهان بالغريب حيث قال إن تصريحاتها يمكن أن تستخدم للدعوة إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا. لكن دوهان أرجعت في مقابلة مع DW السبب وراء قلق الكثيرين من توصياتها إلى سوء فهم وظيفتها.
يشار إلى أن هناك أكثر من 40 مقررا خاصا يعملون لصالح الأمم المتحدة في مجالات مختلفة ويكونون في الغالب من الأكاديميين أو خبراء متخصصين، لكنهم لا يتقاضون رواتبهم مقابل المهام التي يقومون بها وذلك للتأكيد على استقلالية آرائهم فضلا عن أنهم لا يمثلون موقف الأمم المتحدة بشكل رسمي.
دور أممي محدد
تعود مهمة دوهان في النظر إلى التأثير السلبي للعقوبات في سوريا على مجال حقوق الإنسان إلى عام 2014، وجاء ذلك بموجب قرار خاص طرحته كوبا لأول مرة فيما عارضته العديد من الدول الأوروبية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، لكن في المقابل حظي القرار بدعم دول مثل روسيا والصين وفنزويلا والسعودية. وفي ذلك، قالت دوهان، التي تولت المنصب منذ مارس / أذار عام 2020، إن الكثير من "الناس يعتقدون أنه عندما أزور بلدا ما يجب أن أثير تساؤلات على الحكومة بشأن حقوق الإنسان، لكن هذا ليس جزءً من مهمتي إذ أن عملي ليس له طابع سياسي".
بدوره، قال كرم شعار، الخبير الاقتصادي والمتخصص في العقوبات المفروضة على سوريا، إن هناك كثيرين لا يفهمون طبيعة عمل دوهان. وفي مقابلة مع DW، أضاف "أعتقد أن العقوبات تعد قضية تتسم بالدقة بشكل أكثر مما ذكره بيان دوهان. لقد فشلت في إثبات أي تداعيات سلبية بل واخفقت في توضيح الفروق الدقيقة المتعلقة بهذه القضية أيضا". وقال "يبدو أن دوهان كانت تمتلك حالة يقين بأن كل شيء سيء يحدث في سوريا سببه العقوبات. إنها لا تنظر إلى الأمور من منظور أعمق".
عقوبات ذكية!
ورغم ذلك، يتفق شعار على أن العقوبات قد تتسبب في آثار سلبية في مجال حقوق الإنسان، مضيفا "لا أجادل في هذا، لكن يتعين الحديث عن السياق والتطرق إلى كافة الجوانب". وشدد كل من شعار وعبد الغني على ضرورة تقييم تأثير العقوبات بشكل منتظم للوقوف على الأمر بشكل دقيق فيما طرحا ما يُعرف بـ "العقوبات الذكية" التي تستهدف جماعات أو أشخاصا بعينها وليس قطاعات بأكملها من أجل تقليل أي تأثير للعقوبات على حقوق الإنسان والمدنيين.
وفي سياق متصل، سوف تصدر منظمة "تبنى ثورة" ومقرها برلين تقريرا أعده مجموعة من خبراء قانونيين سوريين يبحث في كيفية تحسين آلية العقوبات المفروضة على الحكومة السورية إلى جانب تقييم تأثير العقوبات فيما اقترح الخبراء استمرار الإعفاءات على السلع الإنسانية والطبية وتحسين الحصول على المعلومات عن آثار العقوبات.
"عقوبات ليست إيجابية"
من جانبها، ترى دوهان أن العقوبات التي تفرضها دول بعينها ضد حكومات لا يمكن أن تتسم بالإيجابية "بأي شكل من الأشكال"، مشددة على ضرورة فرض وتطبيق العقوبات بموجب القانون الدولي ومن قبل هيئات مثل مجلس الأمن الدولي. وقالت إن هناك طرقا أخرى يمكن أن تسلكها الدول لإظهار استيائها مثل تقليص الاتفاقيات التجارية و البعثات الدبلوماسية، مؤكدة أن ما يُطلق عليه "عقوبات ذكية" يتعين أن يكون في إطار القانون الدولي.
وفي ذلك، أضافت أنه "إذا ارتكب رئيس دولة جريمة ما، فإنه يتعين إثبات ذلك في إطار محاكمة عادلة وهذا من اختصاص مجلس الأمن. وفي هذه الحالة فقط يمكن فرض عقوبات"، مشيرة إلى أنه ليس من اختصاصها الحديث عن الرئيس السوري. يشار إلى أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرارات في مجلس الأمن تتعلق بسوريا سواء حيال إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود عام 2020 أو إدانة الحكومة السورية لقمعها الاحتجاجات إبان عام 2011. وفي ضوء ذلك، يرى خبراء أنه من المستبعد إن يحيل مجلس الأمن الدولي الرئيس السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته ما يعني في نهاية المطاف صعوبة معاقبته.
كاثرين شاير / م ع